الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فهذا السؤال يطرح كل عام بعد شهر رمضان فثمة من يرى التمسك بصيام ستة أيام بعد صيامه، وثمة من يرى غير ذلك، والأصل في هذا ما ورد في صحيح مسلم عن أبي أيوب الأنصاري رضى الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «من صام رمضان، ثم أتبعه بست من شوال كان كصيام الدهر»([1]).
والخلاف في حكم صيام هذه الأيام الستة قديم، ومن ذلك ما ورد في رواية الإمام يحيى الليثي أنه سمع الإمام مالكًا يقول: «إنه لم ير أحدًا من أهل العلم والفقه يصومها، ولم يبلغني ذلك عن أحد من السلف، وإن أهل العلم يكرهون ذلك، ويخافون بدعته، وأن يلحق برمضان ما ليس منه أهل الجهالة والجفاء، لو رأوا في ذلك رخصة عن أهل العلم، ورأوهم يفعلون ذلك»([2]).
فالإمام مالك، حجة فهو إمام أهل المدينة، وإمام أهل الحديث، والمعاصر للسلف الأول من أهل العلم والفقه في الدين، وما قاله في هذا الأمر إلا لخشيته أن تتحول السنة إلى فرض عند بعض العامة من المسلمين، ممن يجهلون الأحكام، فيلحقوا برمضان ما ليس منه. وخشيته واردة ومشهودة في كثير من أمور المسلمين، وإن كان هذا غير وارد في صيام الأيام الستة في زماننا هذا، بحكم سعة العلم وانتشاره، إلا أننا نرى أنه لا يفصل بين صيام كثير من الصالحين، وصيام هذه الأيام الستة إلا يوم العيد، وإن كانوا لا يعتقدون أنها جزء من رمضان، إلا أنهم قد يرون في صيامها إكمالًا له ابتغاء الأجر في صيام الستة كلها، كما ورد في الحديث.
وحتى لا نخشى ما خشيه الإمام مالك -رحمه الله- يجب الاحتياط في هذا الأمر، فالحديث صحيح ولا منافاة بينه وبين ما قاله الإمام مالك والفضل كثير، ولكن يجب أن يدرك الصالحون من خلال إرشادهم أن صوم الأيام الستة من شهر شوال سنة، وليس بواجب، فقد يصومها المسلم سنوات ويترك صومها سنة أو سنتين، وقد يصومها مجزأة أو يصومها في وسط الشهر أو في آخره، حتى يكون ذلك ادعى للتفريق بين الفرض والسنة.
والمسلم إن شاء الله في خير، فإن صامها مرة فله أجر، وإن أخر صيامها مـرة، وهو ينوي ويود صيامها فله إن شـاء الله أجر، حسـب نيته لقول رسول الله ﷺ: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى»([3]).
وخلاصة المسألة: أن الأصل في صيام الأيام الستة من شهر شوال قول رسول الله ﷺ: «من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال كان كصيام الدهر»، وقد روي عن الإمام مالك: أن أهل العلم يخافون البدعة في هذا، فيلحق برمضان ما ليس منه، فهو يرى صيام هذه الأيام سنة، ويخشى أن تتحول هذه السنة إلى فرض، وحتى لا نخشى ما خشيه، يجب الاحتياط في هذا الأمر، فالحديث صحيح، ولا تعارض بينه وبين ما قاله الإمام مالك، فيجب إرشاد المؤمنين أن صوم الأيام الستة من شهر شوال سنة، وقد يصومها المسلم سنوات، ويترك صومها سنة أو سنتين، وقد يصومها مجزاة، أو يصومها في وسط الشهر، أو في آخره، وذلك للتفريق بين الفرض والسنة.
([1]) أخرجه مسلم في كتاب الصيام، باب استحباب صوم ستة أيام من شوال اتباعا لرمضان برقم (1164) وأبوداود في كتاب الصيام باب في صوم ستة أيام من شوال برقم (2433) وابن ماجه في كتاب الصيام باب صيام ستة أيام من شوال برقم (1716).
([3]) أخرجه البخاري في كتاب بدأ الوحي، باب كيف كان بدأ الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم برقم (1).