سؤال عن الشروط الفاسدة في عقود النكاح والبيوع وكيف يمكن معرفتها؟

الشروط الفاسدة في العقود وما يجب فيها

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد، أما بعد:

فالجواب أن العقود بين الناس تحكمها شروط محددة سواء كانت هذه العقود في النكاح أو في البيوع أو في أي عقد يراد منه تحديد الحقوق، فالأصل أن تكون هذه الشروط متفقة مع القواعد المشروعة فإذا خلا أي عقد من هذه الشروط فهو باطل، والأصل في هذا قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: “فما بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا ليسَتْ في كِتَابِ اللهِ، ما كانَ مِن شَرْطٍ ليسَ في كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهو بَاطِلٌ، وإنْ كانَ مِئَةَ شَرْطٍ”([1])، والشروط الفاسدة في العقود كثيرة فمن هذه الشروط في عقود النكاح اشتراط الزوج على زوجته أن تنفق عليه أو تعطيه راتبها أو شيء من مالها إلا برضاها والأصل في بطلان هذه الشروط قول الله عزوجل: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ۚ فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا} [النساء: 4]، وفي أن النفقة على الزوج قال عزوجل: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233]، ومن الشروط الفاسدة في النكاح اشتراط الزوج على زوجته ألا تزور أهلها أو اشتراطها عليه ألا يزور أهله، أو اشتراطها عليه ألا يسكن مع أهله، فهذه الشروط ومثيلاتها تعد فاسدة؛ لأنها تخالف ما أمر الله به من البر، وعدم القطيعة بين الولد ووالديه، ومن الشروط الفاسدة اشتراط الزوجة على زوجها عدم الإنجاب أو تحديده؛ لأن ذلك يخالف الأصل من الزواج.

وهكذا كل شرط ليس في كتاب الله، أو في سنة رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- أو يخالف ما أجمعت عليه الأمة فهو باطل.

وأما الشروط الفاسدة في البيوع فكثيرة أيضا وأهمها الشروط التي تبيح الربا، والأصل فيه أن الله حرمه في قوله تقدس اسمه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ، فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: 278-279]، فاقتضى هذا أن كل عقد تضمن شرطا يبيح الربا في أي صورة فهو باطل؛ لأنه محرم في الأصل، ومن الشروط الفاسدة في البيوع أن يبيع التاجر ما ليس عنده، والشاهد فيه ما رواه حَكيمِ بنِ حزامٍ -رضي الله عنه-أنه قالَ: “يا رسولَ اللَّهِ، يأتيني الرَّجُلُ فيريدُ منِّي البيعَ ليسَ عِندي، أفأبتاعُه لَه منَ السُّوقِ، فقالَ: لا تبِع ما ليسَ عندَكَ”([2]).

ومن العقود الفاسدة: النص على عدم كتابة الدين إلى أجله، والاكتفاء بالاتفاق الشفهي، وهذا يخالف ما أمر الله به من كتابة الدين وأجله في قوله جل في علاه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282]، والحكمة في هذا واضحة فترك الكتابة مدعاة للخلاف والشقاق بين المتعاقدين.

قلت: ومن العقود الفاسدة في البيوع بيع العينة، هو: أن يبيع السلعة بثمن مؤجل، ثم يشتريها مرة أخرى نقدا بثمن أقل، فتكون الصورة النهائية حصول النقد للمشتري، وسوف يسدده بأكثر منه بعد مدة، فكأنَّه قرضٌ في صورة بيع([3])، سُمِّيت عِينةً:؛ لأن البائع رجَع إليه عينُ ماله؛ حيث اشتَرَى من صاحبه نفس السلعة بثمنٍ أقل، فكان غرَضُه من هذا البيع الربا فقط، والأصل في تحريم بيع العينة ما رواه عبدالله بن عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: ” إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ “([4]).

هذه خلاصة عن بعض العقود الفاسدة في أمرين مهمين النكاح والبيوع، وأما فساد العقود في عمومه: فكما ذكر كل شرط في أي عقد ليس في كتاب الله، ولا في سنة رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- فهو باطل ديانة وقضاء.

والله تعالى أعلم.

 

[1] أخرجه مسلم (1504).

[2] أخرجه أبو داود (3503) واللفظ له، والترمذي (1232)، والنسائي (4613) باختلاف يسير، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود(3503).

[3] “فتح القدير” و”بدائع الصنائع” (5/198) ، و “مواهب الجليل” (4/391) ، و”الأم” (3/78) ، و”إعلام الموقعين” (3/166) (7/213) و”الموسوعة الفقهية” (9/96).

[4] رواه أبو داود (3462) وصححه الطبري في “مسند ابن عمر” (1/108) ، وابن تيمية في “مجموع الفتاوى” (29/30) والألباني في “السلسلة الصحيحة” (رقم/11).