الوسائل لدرء الفتن كثيرة، وأهمها تحكيم كتاب الله، واتباع سنة رسوله محمد r، وما يترتب على ذلك من إقامة العدل، ورفع الظلم، وأداء الحقوق والأمانات، ونحو ذلك، مما هو معلوم من دين الله بالضرورة. ومن أهم هذه الوسائل وأولوياتها كثرة الاستغفار، فقد أمر الله به في كتابه العزيز فقال عز وجل: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد: 19]. وقال عز ذكره : {وَاسْتَغْفِرِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا} [النساء: 106]، وقال تعالى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر: 3]، وقال تقدست أسماؤه: {وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا} [النساء: 110]، وقال وقـوله الحق: {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُون} [الأنفال: 33]، وقال علاء ذكره: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُون} [آل عمران: 135].
واستجابة لأمر الله لنبيه ورسوله محمد r بالاستغفار كان عليه الصلاة والسلام يكثر منه ويدعو أمته إليه في عدة أحاديث، منها ما رواه الأغر المزني أن رسول الله r قال: «إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة»([1]).
وما رواه أبو هريرة t قال: سمعت رسول الله r يقول: «والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة»([2]).
وما رواه أيضًا أن رسول الله r قال: «والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا، لذهب الله تعالى بكم، ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله تعالى فيغفر لهم»([3]). ومن هذه الأحاديث ما رواه ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: كنا نعد لرسول الله r في المجلس الواحد مائة مرة: «رب اغفر لي، وتب عليَّ، إنك أنت التواب الرحيم»([4]).
وما رواه شداد بن أوس عن النبي r أنه قال «سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء لك بذنبي فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، قال ومن قالها من النهار موقنا بها، فمات من يومه قبل أن يمسي، فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح، فهو من أهل الجنة»([5]).
ولا شك أن الفتن تحدث من ارتكاب المعاصي والجهر بها واستمرائها والاستمرار عليها، كما تحدث من الظلم والفساد في الأرض، وشاهده ما حدث للأمم البائدة التي أصرت على المعاصي، وعصت أنبياءها ورسلها: كقوم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب، فأهلكها الله بعد أن أمهلها ولا شك أيضًا أن الاستغفار من الذنوب مما يعمر الأرض ويدرأ الفتن، وقد وعد الله ووعده الحق أن يتوب على التائبين، ويغفر للمستغفرين، ويدرأ عنهم العذاب وشاهده ما ورد في الآيات المحكمات التي سبق ذكرها من كتاب الله عز وجل، وشاهده أيضًا ما حدث لقوم نبي الله يونس بن متَّى عليه السلام؛ فقد دعا قومه أهل (نينوى) في العراق تسع سنين إلى ترك عبادة الأوثان، فلم يستجيبوا لدعوته فلما يئس من هدايتهم، قيل له: أخبرهم أن العذاب سوف يحل بهم قريبًا، ففعل فقالوا: إن الرجل لا يكذب، فتابوا من ذنوبهم، ولم يعلم نبي الله يونس بتوبتهم، فخرج مغاضبًا لله عز وجل بما قصه الله عنه في كتابه العزيز. وقد تجلت توبتهم في إظهار إيمانهم بالله وتركهم عبادة الأوثان، فلبسوا مسوحهم وخرجوا مع نسائهم وأطفالهم وحيواناتهم، وضجوا بالدعاء إلى الله والاستغفار من ذنوبهم، وردوا المظالم التي كانت بينهم، فرد الله عنهم العذاب، ومصـداقه قول الله عز وجل: {فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِين} [يونس: 98].
إن المسلم وهو يواجه هذه الفتن، وما ينتج عنها من الآلام والمآسي، لا يجد أمامه من سبيل لدرئها إلا باللجوء إلى الله، والاستغفار سرًّا وجهرًا من الذنوب والخطايا، فما يحدث من الفتن والمصائب إلا بسبب ذنوب العباد وخطيئاتهم، وشاهده قول الباري عز وجل: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران: 165]، وقوله عز ذكره: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُون} [الروم: 41]، وقوله جل وعلا: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِير} [الشورى: 30].
نسأل الله عز وجل أن يقي أمة المسلمين وكل عباد الله شر الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يجعل ما حدث ويحدث تمحيصًا للمؤمنين، وعقابًا للمفسدين، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وخلاصة المسالة: أن الوسائل لدرء الفتن التي تحدث في بعض ديار المسلمين كثيرة، وأهمها تحكيم كتاب الله واتباع سنة رسوله محمد r، وإقامة العدل، ورفع الظلم، وأداء الحقوق والأمانات. ومن أهم الوسائل كثرة الاستغفار، فقد أمر الله به في آيات من كتابه العزيز، كما أمر به نبيه ورسوله محمد r في أحاديث كثيرة.
ولا شك أن الفتن تحدث من ارتكاب المعاصي، والجهر بها، والاستمرار عليها، كما قال الله عز وجل: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى: 30]، كما تحدث من الظلم والفساد في الأرض، والشاهد فيه ما حدث للأمم الهالكة: كقوم نوح وغيرهم، والشاهد فيه أيضًا ما حدث لقوم نبي الله يونس، فقد دعا قومه أهل نينوى في العراق إلى ترك عبادة الأوثان، فلبسوا ثيابهم وخرجوا مع نسائهم وأطفالهم وحيواناتهم، فاستغفروا من ذنوبهم، وتركوا عبادة الأوثان، وردوا المظالم، فرد الله عنهم العذاب، وفي هذا قال عز وجل: {فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [يونس: 98].
([1]) أخرجه مسلم في كتاب العلم، باب استحباب الاستغفار والاستكثار منه برقم (2702).
([2]) أخرجه البخاري في كتاب الدعوات، باب استغفار النبي r في اليوم والليلة برقم (6307).
([3]) أخرجه مسلم في كتاب التوبة، باب سقوط الذنوب بالاستغفار توبة برقم (2749).
([4]) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة باب في الاستغفار برقم (1516)، قال الألباني في صحيح أبي داود (١٥١٦): صحيح.
([5]) أخرجه البخاري في كتاب الدعوات، باب أفضل الاستغفار برقم (6306).