سؤال أخ من أحد البلاد الإسلامية، يسأل فيه عن حكم الحقن الطبية في رمضان، ومدى تأثيرها في الصائم؟.

الحقن الطبية في رمضان وحكمها

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فهذه الحقن من النوازل التي حدثت بحكم تطور حياة الإنسان، فقد تعرض الفقهاء الأقدمون -رحمهم الله- للعوارض التي قد يتعرض لها الصائم من الأحقان، أو الاستعاط، أو التقطير في الإحليل أو الأذنين، أو الاكتحال في العينين، أو الحجامة ونحو ذلك، ولهم في ذلك آراء تتباين تخفيفًا أو تشديدًا([1])، مما يطول ذكره.

أما النوازل الجديدة مثل الإبر المغذية وغير المغذية، وغيرها من الحقن الشرجية، التي تستخدم لعلاج البواسير، أو البروستات أو نحوها، فالأصل في حكم هذه النوازل قول الحق -جل وعلا-: {وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُون} [البقرة:187]. فوجب على الصائم أن يأكل ويشرب حتى يتبين له الصباح، ثم يمسك إلى المساء، وهذا مما يعرفه المسلمون من دينهم بأذان الفجر، وأذان المغرب. والأكل كل ما تعارف عليه الإنسان في حياته دون تحديد لنوع معين، فأنواع الحبوب كلها مما يدخل في مسمى الأكل والخضراوات والفواكه كذلك، وكل ما في حكم المأكول من الطعام والمشروب من الشراب. والمراد من منع الصائم من هذه المأكولات والمشروبات، طاعة الله في أمره والانتهاء عن نهيه، وليس المراد تعذيب الجسم أو إنهاكه، كما يظن الجهلاء، فإن الله أرحم بعباده منهم أنفسهم؛ فمنافع الصيام لهم في دنياهم وأخراهم، أما في دنياهم فإن في الصيام صحة من أثر الدوام على الطعام و الشراب، وفي الأمراض التي تترتب من الدوام منه، وأما في أخراهم فإن الصائمين يتميزون عن غيرهم، فيدخلون من باب اسمه الريان، لا يدخل منه إلا هم. وكما أن المأكولات والمشروبات تفطر الصائم، فإن هناك مفطرات أخرى منها الجماع والقيء العمد والحجامة وما في حكمها، أما الإبر التي يسأل عنها الأخ السائل، فنوعان، النوع الأول: إبر أو تحاميل تغذي الجسم، فهذه مثل الأكل تبطل الصيام سواء كانت في الوريد أم العضل، والحكم فيها مبني على قياس الشيء على مثيله، فلا فرق بين نوعين من الغذاء وإن اختلفت مسمياتهما.

أما النوع الثاني: فإبر أو تحاميل ليس فيها ما يغذي الجسم، فهذه لا تبطل الصيام سواء كانت في الوريد أو العضل، والحكم فيها مبني على أن الله -عز وجل- بين لنا المفطرات التي تبطل وهي الأكل أو الشرب، فإذا أكل الصائم طعامًا أو شرب شرابًا أو تناول ما يقوم مقامهما كالإبر المغذية بطل صومه.

والله -تعالى- أعلم.

([1]) فمن المذهب الحنفي الفتاوى الهندية ج1 ص224-225 وحاشية رد المحتار لابن عابدين ج3 ص402 وفي مـذهب الإمام مالك عند الجواهر الثمينة لابن شاس ج1 ص358 والذخيرة في فروع المالكية للقرافي ج2 ص327. وفي المذهب الشافعي الحاوي الكبير للماوردي ج3 ص319 والمجموع للنووي ج6 ص312، 320 وفي المذهب الحنبلي المغني مع الشرح الكبير لابن قدامة ج3 ص37038 والاقناع للحجاوي ج1 ص497-498.