سؤالٌ مِن الأخ: ن. م. يقول: أَسأل عن تفسير حديث الرَّسول -صلى الله عليه وسلم- «مَن رآني في المنام فَسَيَراني في اليَقَظَة، فإنَّ الشَّيطان لا يَتمثَّل بِي»، حَفِظَكم الله.

تفسير حديث (مَن رآني في المنام فَسَيَراني في اليَقَظَة)

الحمد لله ربِّ العالَمين، والصَّلاة والسَّلام على نبيِّنا محمَّدٍ، وعَلَى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فيَرَى العلماءُ أنَّه مِن الممكن أن يُرَى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المنام، وأنَّ رُؤْيَته في المنام حَقِيْقَة؛ لأنَّ الشَّياطين لا يستطيعون أن يَتمثَّلوا بشخصيِّة الرَّسول -عليه الصَّلاة والسَّلام- وهذا القول حَقٌّ، وهو من عقيدة المسلمين؛ لأنَّه قد ثَبَت عن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال: ((مَن رآني في المنام فقد رآني فإنَّ الشَّيطان لا يَتمثَّل في صُوْرَتي))([1]). وهذا الحديث الصَّحيح يَدُلُّ عَلَى أنَّه -صلى الله عليه وسلم- قد يُرَى في النَّوم، وأنَّ مَن رآه في النَّوم عَلَى صُوْرَتِه المعروفة فقد رآه، فإنَّ الشَّيطان لا يَتمثَّل في صُوْرته، ولكن لا يَلْزَم مِن ذلك أن يكون الرَّائي مِن الصَّالحين، ولا يجوز أن يُعتمَد عليها في شيءٍ يخالِف ما عُلِم مِن الشَّرع، بل يجب عَرْض ما سَمعه الرَّائي مِن النَّبيِّ مِن أوامر أو نَواهٍ أو خَبَر، أو غير ذلك مِن الأمور التي يَسْمَعها أو يراها الرَّائي للرَّسول -صلى الله عليه وسلم- عَلَى الكتاب والسُّنَّة الصَّحيحة، فما وافَقَهما أو أحدهما قُبِل، وما خالَفَهما أو أحدهما تُرِك؛ لأنَّ الله -سبحانه- قد أَكمَل لهذه الأمَّة دِينها وأتمَّ عليها النِّعمة قَبْل وفاة النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم-؛ فلا يجوز أن يُقبَل مِن أحدٍ مِن النَّاس ما يخالِف ما عُلِم مِن شَرْع الله ودِينه، سواء كان ذلك مِن طريق الرُّؤيا أو غيرها، وهذا مَحَلُّ إجماعٍ بين أهل العلم المعتدِّ بهم.

أمَّا مَن رآه -عليه الصَّلاة والسَّلام- عَلَى غير صورته فإنَّ رؤياه تكون كاذبة، كأن يَراه أَمْرَد لا لحيَة له، أو يَراه أَسْوَد اللون، أو ما أَشْبَه ذلك مِن الصِّفات المخالِفة لِصِفته -عليه الصَّلاة والسَّلام-؛ لأنَّه قال -عليه الصَّلاة والسَّلام-: ((فإنَّ الشَّيطان لا يَتمثَّل في صُوْرَتي)) فَدَلَّ ذلك عَلَى أنَّ الشَّيطان قد يَتمثَّل في غَيْر صُوْرَته -عليه الصَّلاة والسَّلام- ويَدَّعِي أنَّه الرَّسول -صلى الله عليه وسلم- مِن أَجْل إضلال النَّاس والتَّلْبِيس عليهم.

ثُمَّ ليس كُلُّ مَن ادَّعَى رؤيته -صلى الله عليه وسلم- يكون صادقًا، وإنِّما تُقبَل دَعوَى ذلك مِن الثِّقات المعروفين بالصِّدق والاستقامة عَلَى شريعة الله سبحانه، وقد رآه في حياته -صلى الله عليه وسلم- أقوامٌ كثيرون فلَمْ يُسْلِموا ولم يَنتفِعوا برؤيته، كأبي جَهْل.

([1]) أخرجه البخاري، كتاب: العلم، باب: إثم من كذب على النبي -صلى الله عليه وسلم-، برقم: (110)، (1/33)، ومسلم، كتاب: الرؤيا، برقم: (2266)، (7/54).