الحمد لله ربِّ العالَمين، والصَّلاة والسَّلام عَلَى نبيِّه ورسوله الأمين، وعَلَى آله وصحابته ومَن اقتَفَى أَثَرَهم إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فإنَّ عقيدة التَّوحيد هي الأساس في علاقة العبد بربِّه، وهذه العقيدة تَقُوْم عَلَى ركنٍ واحدٍ هو: أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- الإله الواحد الأحد الفرد الصَّمد الذي لم يَلِد ولم يولَد ولم يكن له كفوًا أحد، وأنَّه لا معبود بحَقٍّ سواه. كما قال -عزَّ ذِكْرُه-: ﴿إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾ [طه: 14]، وأنَّ كُلَّ الخلْق عبيده وتحت تَصَرُّفه وإرادته وتدبيره، فلا يُستعان إلا به وحده، ولا يُستغاث إلا به وحده ولا يَشْفَعُ أَحَدٌ إلا بإذنه؛ لقوله -عزَّ وجلَّ-: ﴿قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا﴾ [الزمر: 44]، وقوله -تَقَدَّسَ اسمه-: ﴿وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى﴾ [الأنبياء: 28]، وأنَّ مَن يُشْرِك معه أحدًا مِن خَلْقه فقد كَذَب وخَسِر وضَلَّ ضَلالًا مُبِيْنًا؛ كما قال -عزَّ وجلَّ-: ﴿وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا﴾ [النساء: 48]، وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾ [النساء: 116]، وقوله: ﴿إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾ [المائدة: 72].
ورسالة الأنبياء والرُّسل -عليهم السَّلام- إلى العباد قائمة عَلَى هذه العقيدة، فقد أرسلهم الله إلى عباده لِيُبَلِّغُوهم أَمْرَ دِينهم وعلاقتهم بربِّهم، وما يَجِب عليهم وجوبَ عَينٍ مِن عبادته وحده، وعدَم إشراك أحدٍ معه في مَلَكُوته، فمَن آمَن مِنهم بما جاءه مِن البلاغ فقد نَجا، ومَن كَفَر مِنهم بما جاءه مِن البلاغ فقد هَلَك وخَسِر خسرانًا مبينًا.
فالحاصل إجمالًا للجواب عن السُّؤال، أنَّ مَن يَسْتَعين بغير الله مِن الأموات أو الأحياء أو بأيِّ أَحَدٍ مِن خَلْقِه، أو يَسْتَعِيذ به أو يَسْتَغِيث، أو يَتَقَرَّب به إليه يُعَدُّ مُشْرِكًا، وكذا كُلُّ مَن يَذْبَح للأموات؛ تَقَرُّبًا بهم أو يَطْلُب شفاعتهم. وقد تَوَعَّدَ اللهُ مَن يَفعَل ذلك بعدم المغفرة له؛ كما قال -عزَّ وجلَّ-: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء: 48].
وأمَّا الجواب عن السُّؤال عن الحُكْم في سَبِّ الصَّحابة -رضوان الله عليهم- فقد سَبَقَ أن سأل إخواننا التَّامِيل في جنوب الهند، وكَتَبْنا لهم رسالة في ذلك، ذَكَرْنا فيها الأدلَّة عَلَى فضل الصَّحابة ووجوب محبَّتهم وتحريم سَبِّهم والنَّيْلِ منهم، وبيَّنَّا أنَّ أهل السُّنَّة والجماعة يترضَّون عن الصَّحابة جميعًا، ويؤْمِنون بما وَرَدَ في كتاب الله وسُنَّة رسوله محمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- وأَجْمَعَت عليه الأمَّة عن فضائلهم ومكانتهم في الإسلام، وذَكَرْنا أنَّ أهل السُّنَّة والجماعة يحبُّون صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويحبُّون مَن يحبُّهم ويبغِضون من يبغِضهم، ويكفرون مِن يَسُبُّهم في عمومهم أو يَنال مِن عِرْضِهم، ويفسقون مَن يَنال عِرْض واحدٍ منهم، فيَتَّهِمه بالتَّقصير أو يذمه أو يَقْدَح في سِيرته الدُّنيويَّة، أمَّا إن كان يكفره فإنَّ أهل السُّنَّة والجماعة ينزِّهُون ويبرِّئُون كلَّ صحابي من الكفر، ويكفرون من يكفره.
والله -تعالى- أعلم.