الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على نبيِّنا محمَّدٍ، وعَلَى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فشَهْر رَجَب مِن الأشْهُر التي حَرَّمَها الله في قوله -تعالى-: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ﴾ [التوبة: 36]، وهذه الأَشْهر الحُرُم هي رَجَب وثلاثة مُتَوالِيات: ذو القعدة، وذو الحجَّة، والمحرَّم، وقد وَرَد في فضل العمرة في رَجَب ما ذَكَره عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اعْتَمَرَ في شَهْر رَجَب وقد نَفَت ذلك أمُّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- بقولها: “يَرْحَمُ الله أبا عبد الرَّحمن ما اعْتَمَرَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إلَّا وهو معه، وما اعْتَمَرَ في رَجَب قَطُّ”([1]).
وذَكَر ابن رَجَب الحنبلي أن السَّلف كانوا يعتمرون في شَهْر رَجَب، وذَكَر أنَّ عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه- وعدد من السَّلف كانوا يعتمرون في شَهْر رَجَب([2]).
ولا يَزال عَدَد من المسلمين يَعْتقدون في فَضْل هذه العُمْرة فيؤجِّلون عُمَرهم إلى هذا الشَّهْر، والعُمْرة مُسْتَحَبَّة في أيِّ شَهْر من شُهُور السَّنة، والقيام بها في شَهْر رَجَب مستحب كذلك؛ وِفْقًا لحديث ابن عمر -رضي الله عنه- وهو صحابي جليل، ومع ذلك لا يجب الاعتقاد بوجوب القيام بها في هذا الشَّهْر، بل هي مُسْتَحبَّة في أيِّ شَهْر من شهور السَّنة.
ومن هذه الأقاويل فضل الصِّيام في رَجَب، فلَمْ يَرِد في ذلك نَصٌّ أو أَثَرٌ أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصوم في رَجَب ولكن يجوز الصِّيام فيه مثل أيِّ شَهْر آخر، كصيام الاثنين والخميس، وصيام الأيَّام الثلاثة (البِيْض)، أمَّا تَخْصِيصه بِصَومٍ فلا يجوز، وقد وَرَد أنَّ عمر -رضي الله عنه- كان ينهى عن الصِّيام فيه؛ لما فيه من التَّشبه بالجاهلية، قال الراوي: رأيتُ عمرَ يَضرِبُ أَكُفَّ النَّاسِ في رَجَب، حتَّى يَضَعُوهَا في الجِفانِ، ويقول: كُلُوا، فإنَّما هو شَهْر كان يُعَظِّمُه أَهْلُ الجاهليِّة([3]).
ومِن هذه الأقاويل –بل البِدَع– ما تُسَمَّى: “صلاة الرَّغائب” وتُقام في أوَّل ليلة من شَهْر رَجَب، قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة -رحمه الله-: “صلاة الرَّغائِب بِدْعَة باتِّفاق أئمة الدِّين، لم يَسُنّها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا أحدٌ من خلفائه، ولا استحبها أحدٌ من أئمة الدِّين: كمالك والشَّافعي وأبي حَنيفة والنَّووي والأوزاعي والَّليث وغيرهم، والحديث المرْوِيُّ فيها كَذِبٌ بإجماع أهل المعرفة بالحديث”([4]).
ومِن هذه البِدَع أيضًا: “صلاة أم داود”، و”الصدقة عن الموتى”، و”زيارة المقابر للترحم على أصحابها”، وغير ذلك من البدع التي تُنْسَج في هذا الشَّهْر.
وخُلاصة القول: إنَّ ثَمَّة خِلافًا حَوْل ما إذا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد اعتمر في شَهْر رَجَب، ولكن العُمْرة فيه مُسْتحبَّة فهو من الأشْهُر الحُرُم، ولكن لا يجوز الاعتقاد بوجوبها في هذا الشَّهر، وما هو شائعٌ عن فضل الصِّيام في هذا الشِّهر، والقيام بعبادات معيَّنة فيه لكنَّها لم يَرِد فيها نَصٌّ أو أَثَرٌ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو صحابته أو التَّابعين.
وجوابًا عن سؤال الأخت: ليس هناك عبادات معيَّنة يجب القيام بها في شَهْر رَجَب، سِوَى ما هو معلوم فيما فَرَضه الله، وبيَّنه رسوله محمَّدٌ -صلى الله عليه وسلم-.
([1]) أخرجه البخاري، أبواب: العمرة، باب: كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم، برقم: (1775، 1776)، (3/2-3)، ومسلم، كتاب: الحج، (1255)، (4/60).
([2]) انظر: لطائف المعارف، لابن رجب، ص: (217).
([3]) أخرجه ابن أبي شيبة، كتاب: الصيام، باب: في صوم رجب ما جاء فيه، برقم: (10019)، (6/123)، والطبراني في الأوسط، برقم: (7636)، (7/327)، وصححه الألباني في إرواء الغليل، برقم: (957)، (4/113).