الحمد لله ربِّ العالَمين، والصَّلاة والسَّلام عَلَى رسوله الأمين محمَّدٍ، وعَلَى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فإنَّ التَّبرُّك بأصحاب القبور وطَلَب الحاجات منهم يُعَدُّ مِن الشِّرك الأكبر، الذي حَرَّمَه الله، ووَعَدَ بعَدَم المغفرة عنه في قوله -عزَّ وجلَّ-: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا﴾ [النساء: 48]، وقوله -عزَّ ذِكْرُه-: ﴿إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ﴾ [المائدة: 72]، وقوله -تَقَدَّس اسمه-: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: 13] هذا في الكتاب.
أما في السُّنَّة فقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ألا أُخْبِرُكُم بأَكْبَرِ الكَبائر؟ قالوا: بَلَى يا رسول الله، قال: الإشْراكُ بالله))([1])، وقوله -عليه الصَّلاة والسَّلام-: ((لَعَن اللهُ اليهود والنَّصارى اتَّخَذوا قبور أنبيائهم مَساجِد))([2]).
وهؤلاء الذين يَذهَبون إلى القبور ويَتَبرَّكون بأصحابها لا يُدْرِكون عاقبة عملهم، وهم يَعتقِدون أنَّهم عَلَى حقٍّ وَهُم عَلَى غير ذلك، والواجب عليهم أن يُخْلِصُوا العبادةَ لله وحْدَه، فَرِسالةُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكُلُّ رسالات الأنبياء والرُّسل -عليهم أفضل الصَّلاة والسَّلام- قائمةٌ عَلَى دعوة العباد إلى إخلاص العبادة لله وحده لا شريك له، فمَن اهتَدَى منهم وأَخْلَص العبادة لله وحده نَجا، ومَن أَشرَك معه غيره هَلَك، كما كان حال الأمم مِن زَمَن نَبِيِّ الله نوح إلى زَمَن نبيِّنا محمَّدٍ الذي بَلَّغ الرِّسالة لعباد الله أعظم بلاغ، وبَيَّن لهم أنَّه لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا نِدَّ له ولا نَظِير، وأنَّ النَّفع والضُّر وقَضاء الحاجات بِيَده وحده.
لهذا فإنَّ الواجب عَلَى هؤلاء الذين يَطلُبون الحاجات مِن أصحاب القبور ويَتَبرَّكون بهم أن يَعْلَموا حُكْمًا وعَقْلًا أنَّ أهل القبور لا يَمْلِكون لأنفسهم ولا لغيرهم نفعًا ولا ضَرًّا، وأنَّهم مُجَرَّد مخلوقِين مثلهم، وأنَّ النَّفع والضَّرر وقضاء الحاجات بِيَد الله وحده.
فالنَّصيحة لهؤلاء أن يَرجِعوا إلى كتاب الله وسُنَّة رسوله محمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- وإلى أهل العِلْم؛ ليُبَيِّنوا لهم عقيدة التَّوحيد ويُبَيِّنوا لهم أنَّ عملهم في التَّبرُّك بالقبور وطلب الحاجات منهم مَرْدُود، وأنَّ عاقِبَته الخسران.
والله -تعالى- أعلم.
([1]) أخرجه البخاري، باب: من اتكأ بين يدي أصحابه، برقم: (6273)، (8/61)، ومسلم، كتاب: الإيمان، برقم: (87)، (1/64).
([2]) أخرجه البخاري، كتاب: الجنائز، باب: ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور، برقم: (1330)، (2/88)، ومسلم، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، برقم: (529)، (2/67).