سؤالٌ مِن الأخ: أبي عبد الله، مِن السُّودان، يقول: إنَّه تَسَبَّب في نَشْر المعاصِي ثم تاب، فهل يَلْحَقُه إثم مَن تَبِعَه عَلَى المعصية؟

ما يَجِب عَلَى مَن نَشَرَ المعصية وتَبِعه آخَرون عليها

الحمد لله ربِّ العالَمين، والصَّلاة والسَّلام عَلَى نبيِّنا محمَّدٍ، وعَلَى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

ففي الجواب عن سؤال الأخ تفصيلٌ، فالمتَسَبِّب في نَشْر المعاصِي السَّبيل الوحيد له التَّوبة إلى الله مما فعل، وقد فتح الله باب التَّوبة لعباده فقال -عزَّ ذِكْرُه-: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [الشورى: 25]، وقال -جلَّ في عُلاه-: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [النور: 31]، والتَّوبة يَجِب أن تكون قَبْل الأجَلِ، فإذا حَلَّ الأجَلُ لا تَنفَع التَّوبة، وفي هذا قال الله -تَقَدَّس اسمه-: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [النساء: 17]، والتَّوبة لها شروط ثلاثة هي: تَرْك المعصية، والنَّدَم عَلَى ما فات، والعَزْم عَلَى عدم العودة إليه، هذا هو حَقُّ الله، فيَتُوْب عَلَى مَن تاب وأناب إليه وأَخْلَص له التَّوبة، فالتَّائب مِن الذَّنْب كمَن لا ذَنْب له؛ كما قال ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-([1])، أمَّا إن كان مُرْتَكِب المعاصِي قد تَعَدَّى عَلَى حَقٍّ مِن حقوق العباد فعليه أن يَرُدَّ هذا الحَقَّ إلى أهله، وإلا سيَكُوْن هذا الحَقُّ دَيْنًا عليه، يؤخَذ مِن حسناته أو تُزاد به سيَّئاته إذا لم تَكْفِ حسناته.

أما الذين اتَّبَعوه في نشر معاصيه، فقد حَذَّر اللهُ مَن يَفعل ذلك، كما كانت حال المشركين الأُوَل بأنَّهم يَتَّبِعون آباءهم في الضَّلال فيما حكاه الله عنهم بقوله -عزَّ وجلَّ-: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ﴾ [البقرة: 170]، وقد نَهَى -عزَّ وجلَّ- عن اتِّباع أهل الضَّلال بقوله تعالى: ﴿وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ﴾.(المائدة:77).

فعلى هؤلاء الذين اتَّبَعوا ناشر المعاصِي أن يتوبوا إلى الله بالتَّوبة التي سَبَق ذِكْرُها، ويَتبرَّؤوا مما سَبَق أن اتَّبَعوه مِن المعاصَي، فعسَى الله أن يَتُوب عليهم جميعًا.

وخاتم القول: فإنَّ عَلَى مَن ارتَكَب نشر المعاصِي، أو تَسَبَّب في نشرها عليه أن يَتُوب إلى الله توبة نصوحًا، وعَلَى مَن اتَّبعه أن يتوب إلى الله مِن تَبَعِيَّتِه له، فإن كانوا قد ارتَكَبوا ضررًا أو خطأ في حَقِّ أحد العباد فعَلَيهم التَّحَلُّل منه. والله -تعالى- أعلم.

([1]) أخرجه ابن ماجه، أبواب: الزهد، باب: ذكر التوبة، برقم: (4250)، (5/320)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع، برقم: (3008)، (1/578).