سؤالٌ مِن الأخت: ن. ق. مِن الجزائر، يقول: كيف يُمْكِن التَّصرُّف مع مَن يَستهزِئ بالدِّين، وهو في وسط جماعة المسلمين؟

الاستِهْزاء بالدِّين

الحمد لله ربِّ العالَمين والصَّلاة والسَّلام عَلَى رسوله محمَّدٍ، وعَلَى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فإنَّ مِن عباد الله أخيارٌ وأشرارٌ؛ فالأخيار هم الذين آمنوا بالله ورسوله، وصَدَّقوا ما جاءهم مِن البيِّنات، فَرَضِيَ اللهُ عنهم بما عَمِلوا ورَضُوا عنه بما أَنْعَم به عليهم مِن فضائله ونِعَمِه، في الدُّنيا والآخرة. وأمَّا الأشرار فقد كذَّبوا ما جاءهم مِن العِلْم، فكَفَروا وضَلُّوا عن سواء السَّبيل، وهؤلاء أرادوا أن يكونوا مَرْضَى في عقولهم فظَنُّوا أنَّهم عَلَى حَقٍّ فيما يقولون ويفعلون. والمستهزِئون بالدِّين فَرْعٌ مِن الأشرار، فقد يَسْتهزِئون بالدِّين ويَطْعَنون فيه، وفي هؤلاء قال الله -عزَّ وجلَّ-: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (١٠٣) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (١٠٤) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا﴾ [الكهف: 103-105].

وهؤلاء عَجزوا عن إدراك حقيقة وُجُودهم وتَكْوِينهم، والغاية مِن وُجُودهم في الدُّنيا، فظَنُّوا أنَّهم خُلِقُوا عَبَثًا، فقالوا فيما حكاه الله عنهم: ﴿وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ﴾ [الجاثية: 24].

هذا في العموم، وأمَّا سؤال الأخت عن الذي يَسْتَهْزِئ بالدِّين بين ظهراني المسلمين، فهذا النَّوع مِن المنافقين قديم منذ بداية الإسلام، فقد كان نَفَرٌ منهم في إحدَى غَزَوات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يَسْتَهْزِئُون بالدِّين وبرسول الله وصحابته، فكَشَفَ الله سِتْرهم وأَخْبَر رسولَه بما كانوا عليه مِن النِّفاق، فجاؤوا إليه -عليه الصَّلاة والسَّلام- يَعْتَذِرون ويَقُوْلون إنَّ كلامهم مُجَرَّد لهوٍ ولَعِب، ولكنَّ الله أَخْبَر رسوله عن حقيقتهم بقوله تعالى: ﴿يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (٦٤) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (٦٥) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ﴾ [التوبة: 64-66]. ومِن أحكام هذه الآية أنَّ مَن هَزل أو استَهْزَأ بالله أو بدِينه أو استَهْزَأ برسوله يُعَدُّ كافِرًا تَنْطَبِق عليه أحكام الكُفْر.

هذا هو الجواب العام لمن استَهْزَأ بالدِّين، أما مَن أشارت إليه الأخت فعَلَيه التَّوبة إلى الله؛ لأنَّ فِعْله مِن الكُفْر وأحكام الكُفْر معلومة، ومِن سوء نَصِيب العبد أن يَلْقَى الله وهو عَلَى تلك الحال مِن الكُفْر، وفي هذا قال الله -عزَّ وجلَّ-: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ﴾ [الأنعام: 93].

ونسأل الله -عزَّ وجلَّ- أن يَهْدِيَ الضَّالَّ مِن عباده ويعيده إلى صراطه المستقيم.