سؤالٌ مِن الأخت: ج. ي. مِن الجزائر، يقول: كيف أَكُوْن مُتَدَيِّنة، وأَخْرُج مِن التَّردُّد وكثرة الذُّنوب والمعاصِي؟

الاستقامة عَلَى الدِّين

الحمد لله ربِّ العالَمين، والصَّلاة والسَّلام عَلَى رسوله محمَّدٍ، وعَلَى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فظاهر سؤال الأخت عن التَّدَيُّن، وعدم التَّردُّد، وكثرة الذُّنوب والمعاصِي، والجواب بإيجاز: أنَّ الشَّيطان يُوَسْوِس للعَبد في أمورٍ كثيرةٍ؛ ليَصُدَّه عن السَّبيل القويم، فيَزرع في نَفْسه الوَهْم والتَّردُّد في كُلِّ أمر يَتَطَلَّعُ إليه، فهو عَدُوٌّ للعَبد يَتَرَبَّصُ به ويُشَكِّكه في دِينه وأخلاقه، وفيه قال الله -عزَّ وجلَّ-: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا﴾ [فاطر: 6]، وقوله: ﴿إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ [البقرة: 208]، وقد وَسْوَس لآدم -عليه السَّلام- وأخرَجَه من الجنَّة، وقد بيَّن اللهُ ذلك بقوله -جَلَّ في عُلاه-: ﴿فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَاآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى﴾ [طه: 120].

فالواجب عَلَى العَبد أن يَتغلَّب عَلَى كُلِّ ما يُوَسْوِس به الشَّيطان، سواء في أمر الدِّين أو الدُّنيا، وهذا يَتَيَسَّر عندما يَتَّجِه العَبد إلى رَبِّه بقلبه وجَوارحه، فيُؤْمِن أنَّ دِينه هو الدِّين الصِّحيح، وأنَّ كُلَّ شيءٍ بِيَدِ الله؛ كما قال -عزَّ وجلَّ-: ﴿لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [سبأ: 3].

ثُمَّ لِيَعْلَم العبد أنَّ ما أصابه لم يكن لِيُخْطِئه، وما أخطأه لم يكن لِيُصِيْبه، وأنَّ النَّصْر مع الصَّبر، وأنَّ الفَرَج مع الكَرْب، وأنَّ مع العُسْر يُسْرًا، كما وَرَد ذلك في الحديث([1]) وعَلَى العبد أن يَعُوِّد نَفْسَه، ويُرَوِّضها عَلَى الاستقامة، فالمستقيمون عَلَى دِينهم وأخلاقهم تَكُوْن لهم العافية؛ لقول الله -عزَّ وجلَّ-: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (٣٠) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ﴾ [فصلت: 30-31]، فهذه هِيَ العاقبة للمستقيمين؛ لقوله -عزَّ وجلَّ-: ﴿وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [القصص: 83].

فالحاصل: أنَّ العبد ما دام عَلَى هذا الطَّريق المستقيم فهو من أهل الدِّين المؤمنين، الذين لا خَوْفٌ عليهم في الدُّنيا ولا هم يَحْزَنون في الآخرة.

([1]) أخرجه الطبراني في الكبير، برقم: (11243)، (11/123)، والحاكم، برقم: (6304)، (3/624)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم: (‌‌2382)، (5/496).