الحمد لله ربِّ العالَمين، والصَّلاة والسَّلام عَلَى نبيِّنا محمَّدٍ، وعَلَى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فهؤلاء الذين يَدَّعُون العلاج بالحُرُوز مُجَرَّد أدعياء، هدفهم الكَسْب المادِّي وليس لهم عِلْمٌ بما يقولون، لا مِن النَّاحيَة الدِّينيِّة أو الطِّبيِّة، إنِّما هم يَسْتَغِلُّون المريضَ الذي يَبحَث عن علاج لمرضه، فيغرُّونه بما يرونه الحُرُوز؛ فلا يجوز قبول ما يقولون؛ فالمسلم إذا كان يَبحَث عن علاج لمرضه، عليه أن يَلجأ إلى الله أوَّلًا ثم إلى الأطبَّاء المعروفين بعِلْمهم في مِهْنَتهم، وإذا أراد أن يرقِي الرُّقيَة الشَّرعيِّة فذلك خَيْرٌ، والأصل فيها حديث مالك بن عَوْف الأَشْجَعِيِّ -رَضِيَ اللهُ عنه- قال: “كُنَّا نَرْقِي في الجاهليَّة فقلنا يا رسول الله، كيف تَرَى في ذلك فقال: ((اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقاكم، لا بَأْسَ بالرُّقَى ما لم يَكُنْ فيه شِرْكٌ))([1])، وحديث عائشة -رَضِيَ اللهُ عنها- قالت: “إنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا اشتَكَى يقرأ عَلَى نَفْسه بالمعوِّذات، ويَنْفُث، فلمَّا اشتَدَّ وَجَعُه كنتُ أَقرأ عليه، وأَمْسَح بيده رَجاء بَرَكتها”([2]).
ويُمْكِن للمريض أن يرقِيَ نَفْسه بالآيات مِن كتاب الله، كَسُورة الفاتحة، وسُورة البَقَرة، وآل عمران، وسُورة الزَّلزَلة، وغيرها من الآيات، كما يرقِي نَفْسه بدعاء الله أن يَشْفِيَه مِن مرضه ويَتضرَّع إليه، فقد تَعَهَّد اللهُ -عزَّ وجلَّ- بأنَّه قريب ممن يَدْعُوه في قوله -جلَّ في عُلاه-: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: 186]، وإن أراد أن يرقِيَه شخصٌ آخر مِن الرُّقاة المعروفين بأمانتهم وتَقْواهم فهذا أيضًا خَيْرٌ، فالمهِمُّ اجتناب المشَعْوِذِين، ومَن هَدَفهم الكَسْب المادِّي.
وحاصل القول: إنَّ هؤلاء الذين أشارت لهم الأخت ليس لَدَيهم عِلْمٌ شرعي أو طِبِّي، إنِّما هم مُتَكَسِّبون، وعَلَى المريض أن يَلجأ إلى الله، ثم إلى الأطبَّاء لِتَشْخِيص مرضه وعلاجه، وإن أراد أن يتبع ذلك بإرقاء نَفْسه بالآيات مِن كتاب الله ففي ذلك خير، وإن أراد أن يرقِيَه شخص مِن الرُّقاة المعروفين بتقواهم فذلك أيضًا خير.
والله -تعالى- أعلم.
([1]) أخرجه مسلم، كتاب: السلام، برقم: (2200)، (7/19).
([2]) أخرجه البخاري، كتاب: فضائل القرآن، باب: فضل المعوذات، برقم: (5016)، (6/190)، ومسلم، كتاب: السلام، برقم: (2192)، (7/16).