الحمد لله ربِّ العالَمين، والصَّلاة والسَّلام عَلَى رسوله الأمين محمَّدٍ، وعَلَى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فمِن المعلوم أنَّ الإنسان يَكْرَه عَدُوَّه، سواء كان هذا العَدُوُّ حقيقيًّا أو مُفْتَرَضًا؛ فالمسلم -كأيِّ إنسانٍ- يَفْرَح حين يَرَى عَدُوًّا له يُصاب بمصيبة. هذا هو واقِعُ الإنسان في أيِّ زَمانٍ ومكانٍ، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- تَأثَّر مِن فِعْل المشركين يوم أُحُد، وكَسْرِهم لِرَباعِيَتِه وشَجِّهم لِرَأسه، فَهَمَّ بالدُّعاء عَلَى نَفَرٍ منهم، ولكنَّ الله أَنْزَل عليه قوله -تعالى-: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ﴾ [آل عمران: 128]. ولأنَّ الله يَعْلَم -وهو العليم بما كان وما سَيَكُون لو كان كيف يَكُون- فنهاه عن الدُّعاء عليهم؛ لأنَّهم سوف يُسْلِمون، فأَسْلَم خالد بن الوَلِيْد وعِكِرْمة بن أبي جَهْل وعَمْرو بن العاص -رَضِيَ اللهُ عنهم-.
هذا في عموم المسألة، أمَّا عن سؤال الأخت، فيَجِب التَّفريق بَيْن أَمْرَين:
الأول: إن كان غيـر المسلمين يحارِبُون المسلمين وَجَب الدُّعاء عليهم، والفَرَح بما يُصِيبهم مِن أَذَى، أمَّا إن كان هؤلاء لا يُعادُون المسلمين فلا يجوز الدُّعاء عليهم، ولا الفَرَح بما يُصِيبهم، والشَّاهِد فيه قول الله -عزَّ وجلَّ-: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٨) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [الممتحنة: 8-9]، وفي هذا دَلِيْلٌ عَلَى سَماحَة الإسلام وعَدْلِه.
فالحاصل: أنَّه يجوز الدُّعاء عَلَى غيـر المسلمِين، والفَرَح بما يُصِيبهم مِن أَذَى إذا كانوا مُعادِين جِهارًا للمسلمِين، وأمَّا إن كانوا مسالمِين غيـر مُعادِين فلا يجوز الدُّعاء عليهم، ولا الفَرَح بما يُصِيبهم مِن المصائب([1]).
والله -تعالى- أعلم.
([1]) ولمزيد من التفاصيل يراجَع العدد: (66)، ص: (328-338)، من مجلة البحوث الفقهية المعاصرة، ما كتبه معالي الدكتور: عبد الرحمن بن حسن النفيسة -حفظه الله-، بعنوان: “حكم ما إذا كان من الجائز سبُّ غير المسلمين أو الدعاء عليهم”.