الحمد لله ربِّ العالَمين، والصَّلاة والسَّلام عَلَى نبيِّنا محمَّدٍ، وعَلَى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فإنَّ الاعتقاد أنَّ تَبْخِير البيوت بأَبْخِرَة مُعَيَّنة يَطْرُد الشَّياطين اعتقادٌ غير صحيح، والغالِب فيه التَّداوُل بين النِّساء؛ لحِرْصِهِنَّ عَلَى بيوتهنَّ حتَّى أَصبَح عندهنَّ مألوفًا أو مطلوبًا، فهذه الأَبْخِرَة لا تَفْعَل ما يَعْتَقِد المؤمنون بها، فطَرْدُ الشَّياطين يَكُوْن بقراءة القرآن، وصلاة النَّوَافل للرِّجال، وصلوات النِّساء في البيوت، وذِكْرُ الله -عزَّ وجلَّ-، ففي الذِّكْر تَطْمَئِنُّ القلوب ويَزُول الخوف، قال الله -عزَّ وجلَّ-: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (٤١) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ [الأحزاب: 41-42]، وقال -عزَّ ذِكْرُه-: ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرعد: 28]، وقال -تَقَدَّس اسمه-: ﴿وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 35]، ولمَّا سَأَل رجلٌ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قائلًا: “يا رسول الله، إنَّ شرائع الإسلام قد كَثُرَت عَلَيَّ، فأَخبِرْني بشيءٍ أتشَبَّثُ به، فقال: ((لا يَزالُ لِسانُك رَطْبًا مِن ذِكْرِ اللهِ -تعالى-))، وفي الحديث القُدْسِي: ((أنا عند ظَنِّ عَبْدِي بي، وأنا معه إذا ذَكَرَنِي، فإن ذَكَرَنِي في نَفْسه ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي، وإن ذَكَرَنِي في مَلإٍ ذَكَرْتُهُ في مَلإٍ خَيْرٍ منهم، وإن تَقَرَّبَ إلَيَّ بشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إليه ذِراعًا، وإن تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِراعًا تَقَرَّبْتُ إليه باعًا، وإن أتانِي يَمْشِي أتَيْتُهُ هَرْوَلَةً))([1])، وفي حديث مُعاذ بن جَبَل -رَضِيَ اللهُ عنه- أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ما عَمِل آدَمِيٌّ عملًا أَنْجَى له مِن العذاب مِن ذِكْرِ الله -تعالى-))، فالذِّكْر والأعمال الصَّالحة وطهارة البيوت مِن المحرَّمات، وسائل حقيقيَّة لِطَرْد الشَّياطين منها، وإزالة الخوف في النُّفوس منهم.
أما الأَبْخِرة، أيًّا كان مُسَمَّاها ونَوْعها، فلا تَفْعَل شيئًا إلا إذا كان المقصود نَشْر رائحةٍ طَيِّبة في المنزل ببخُوْرٍ مَشْروع فلا بأسَ بذلك، أمَّا غير ذلك فلا يجوز والله -تعالى- أعلم.
([1]) أخرجه البخاري، كتاب: التوحيد، باب: قول الله تعالى ﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ﴾، برقم: (7405)، (9/121)، ومسلم، كتاب: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، برقم: (2675)، (8/62).