الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على رسوله الأمين محمَّدٍ، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
ففي السُّؤال مسألتان:
الأولى: ما ذكره الأخ السَّائل عن بَيْعِ التَّوراة والإنجيل والاتِّجار فيهما، فظاهر السُّؤال أنَّ المقصود منه: بيعها في بلاد المسلمين، ومن المعلوم للمسلم أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- أنزل العديد من الكُتُب مع رسله -عليهم الصَّلاة والسَّلام- ومن هذه الكُتُب التَّوراة والإنجيل، ثم أنزل القرآن خاتمًا وناسِخًا لهذه الكُتُب، وفي هذا قال -عزَّ وجلَّ- لنبيِّه ورسوله محمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٤٨) وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ﴾ [المائدة: 48-49]، فقوله -عزَّ وجلَّ-: ﴿وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾، أي حاكِمًا لهذه الكُتُب كُلِّها وناسِخًا لها، فلَمْ يَبْقَ في الأرض إلا كتابٌ واحدٌ هو القرآن الكريم، أنزله الله على رسوله رحمةً للعالمين، إنسِهم وجنِّهم، فالمسلم يؤمن بالكُتُب السماويَّة كُلِّها، كصُحُف إبراهيم وموسى، وزَبُور داود، كما يؤمن بالتَّوراة والإنجيل كما أُنْزِلَتا، وقبل أن تَتَنازعها الأقلام والأهواء بالتَّعديل والتَّحريف، فلَمْ يَبْقَ إلا القرآن في الأرض، فقد حفظه الله -تعالى- في الَّلوح المحفوظ، فقال -عزَّ وجلَّ-: ﴿بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (٢١) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ﴾ [البروج: 21-22]، فلمَّا حفظه الله بحفظه لم يستطع أحدٌ أن يَنال منه، رغم كُلِّ المحاولات الشَّديدة، فبَقِيَ كما أنزله الله إلى أن يَرِثَ الله الأرض ومن عليها؛ ولهذا لا حاجة للمسلم للنَّظر في هذه الكُتُب أو قراءتها؛ لأنَّ القرآن نَسَخَها كُلَّها فأصبحَتْ تاريخًا، وانتهت بانتهاء الفترة التي نَزَلَتْ فيها، قبل بعثة رسول الله محمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-– بالرِّسالة، والشَّاهد فيه أنَّ عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه- كان يَقرأ صفحةً من التَّوراة، فتَغَيَّرَ وَجْهُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-–، فقال -عليه الصَّلاة والسَّلام-: ((يا عمر، لو كان موسى بن عِمْران حَيًّا لاتَّبَعَني))([1]).
فالحاصل أنَّه لا حاجة لبَيْعِ كُتُب أهل الكتاب والاتِّجار بها في بلاد المسلمين، فلا يجوز للمسلم قراءتها؛ لأنَّ القرآن هَيْمَنَ عليها ونَسَخَها.
المسألة الثانية: كُتُب الفِرَق الضَّالَّة، ومنها كُتُب القاديانيَّة وأخواتها، وغير ذلك من الكُتُب التي انحَرَفَ أصحابُها عن الطَّريق المستقيم، ففي هذه الكُتُب أخطارٌ كثيرةٌ وخُرُوْجٌ عن الطَّريق المستقيم، فلا يجوز بَيْعُها أو الاتِّجار بها أو توزيعها إلا لِعالِـمٍ يريد تَفْنِيْدها، والرَّد على حُجَج أصحابها، وكَشْف غاياتهم.
والله -تعالى- أعلم.
([1]) أخرجه أحمد، برقم: (15864)، (25/198)، وحسنه الألباني في إرواء الغليل، برقم: (1589)، (6/34).