الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على نبيِّنا محمِّدٍ، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فالأصل في كتابة الملائكة لأعمال العِباد قولُ الله -تعالى-: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (١٠) كِرَامًا كَاتِبِينَ (١١) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [الانفطار: 10-12]. والمراد أنَّ عليكم أيُّها العِباد ملائكة يحفظون أعمالكم ويكتبونها ويُحْصُونها عليكم، فلا يَخْفَى عليهم منها شيء، فلا تُؤْذُوْهُم بالأعمال السَّيِّئَة، بل أكرموهم بالأعمال الصَّالحة؛ لأنَّهم يَفْرَحُون بهذه الأعمال، كما قال الله عنهم: ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ﴾ [غافر: 7].
أمَّا الجواب عن السُّؤال، فالملائكة لا يَعْلَمُون ما في صَدْرِ العَبْدِ ونِيَّتِه، فذلك مَرْجِعه إلى الله -عزَّ وجلَّ-، وفي هذا قال -عزَّ ذِكْرُه-: ﴿إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ [الأحزاب: 54]، وقال -جلَّ في عُلاه-: ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ [غافر: 19]، وقال تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ﴾ [النحل: 19]، فدَلَّ هذا عَلَى أنَّ ما يُبْطِنه العَبْدُ في نَفْسِه وما يُخْفِيه وما يُعْلِنه مَرْجِعه إلى الله، فلا يستطيع أحد معرفة نوايا العبد وخفاياه إلا الله، فوَجَب عَلَى العبد أن يَتَّجِه بِقَلْبه إلى الله، فهو الذي يَعْلَم سِرَّه وعلانيته، يقول تعالى: ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ [غافر: 19]. والله-تعالى-أعلم.