الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على رسوله الأمين محمدٍ، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فإنَّ آية الكرسي من أعظم الآيات في كتاب الله، وقد وَرَدَ في فضائلها أحاديث كثيرةٌ، وما يكون لقارئها من الأجر والثَّواب، والحِرْزِ من الشَّيطان في الدُّنيا، أما فضلها وثوابها فلكونها تشتمل على توحيد الله في ألوهيَّته، وأنَّه الإله الواحد الذي لا إله غيره؛ ولكونها تقدِّسه وتعظِّمه في أسمائه الحُسْنَى وصفاته العُلا، فعن أبي أُمامَة الباهِليِّ -رضي الله عنه- قال: سمعْتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((مَن قَرَأَ آيةَ الكرسيِّ دُبُرَ كلِّ صلاةٍ مَكْتوبةٍ، لم يمنَعهُ مِن دخولِ الجنَّةِ، إلَّا الموتُ))([1]).
أما حِرْزُها من الشَّياطين في الدُّنيا فما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- قال: وَكَّلَنِي رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- بحِفْظِ زكاة رمضان، فأتَانِي آتٍ فَجَعَلَ يَحْثُو مِن الطَّعام فأخَذْتُهُ، وقلتُ: والله لأَرْفَعَنَّكَ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: إنِّي محتاجٌ، وعَلَيَّ عِيالٌ ولِي حاجةٌ شديدةٌ، قال: فخَلَّيْتُ عَنْه، فأصْبَحْتُ، فقال النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: ((يا أبا هريرة، ما فَعَلَ أسِيرُكَ البارِحَةَ؟)) قال: قلتُ: يا رسول الله، شَكَا حاجةً شديدةً، وعِيالًا، فرَحِمْتُهُ، فخَلَّيْتُ سبيلَهُ، قال: أما إنَّه قد كَذَبَك، وسَيَعُودُ، فَعَرَفْتُ أنَّه سيعود؛ لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنَّه سَيَعُودُ))، فَرَصَدْتُهُ، فجاء يَحْثُو مِن الطَّعام، فأخَذْتُهُ، فَقُلتُ: لَأَرْفَعَنَّكَ إلى رَسولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، قال: دَعْنِي فإنِّي محتاجٌ وعَلَيَّ عِيالٌ، لا أعُوْدُ، فرَحِمْتُهُ، فخَلَّيْتُ سبيلَهُ، فأصْبَحْتُ، فقال لي رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يا أبا هريرة، ما فَعَلَ أسِيرُكَ؟)) قلتُ: يا رسول الله، شَكَا حاجةً شديدةً، وعِيالًا، فرَحِمْتُهُ، فخَلَّيْتُ سبيلَهُ، قال: ((أمَا إنَّه قدْ كَذَبَكَ وسيَعُوْد))، فرَصَدْتُهُ الثَّالثة، فجاء يَحْثُو مِن الطَّعام، فأخَذْتُهُ، فقلتُ: لأَرْفَعَنَّكَ إلى رسول الله، وهذا آخِرُ ثلاث مَرَّاتٍ، أنَّكَ تَزْعُم لا تَعُوْد، ثُمَّ تَعُوْدُ، قَالَ: دَعْنِي أُعَلِّمكَ كَلِماتٍ يَنْفَعُكَ اللهُ بها، قلتُ: ما هو؟ قال: إذا أوَيْتَ إلى فراشكَ، فاقْرَأْ آية الكُرْسِيِّ: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ [البقرة: 255]، حتَّى تَخْتِمَ الآية، فإنَّكَ لن يَزَالَ عليكَ مِن الله حافظٌ، ولَا يَقْرَبَنَّكَ شيطانٌ حتَّى تُصْبِحَ، فخَلَّيْتُ سبيلَهُ، فأصْبَحْتُ فقال لي رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما فَعَلَ أسِيرُكَ البارِحَةَ؟)) قلتُ: يا رسول الله، زَعَمَ أنَّه يُعَلِّمني كلماتٍ يَنْفَعني الله بها، فخَلَّيْتُ سبيلَهُ، قال: ((ما هي؟))، قلتُ: قال لي: إذا أَوَيْتَ إلى فراشكَ فاقْرَأْ آية الكُرْسِيِّ مِن أوَّلِهَا حتَّى تَخْتِمَ الآية: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ [البقرة: 255]، وقال لي: لن يَزَالَ عليكَ مِن الله حافِظٌ، ولا يقْربكَ شيطانٌ حتَّى تُصْبِحَ، فقال النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: ((أمَا إنَّه قد صَدَقَكَ وهو كذُوبٌ، تَعْلَمُ مَن تُخاطِبُ مُنْذُ ثلاث لَيَالٍ يا أبا هريرة))، قال: لا، قال: ((ذاكَ شيطانٌ))([2]).
فدَلَّ هذا عَلَى فضل قراءة آية الكرسيِّ، فالمهم الاعتقاد في فضل هذه الآية خاصَّة، وفضل كلام الله عامَّة في أوامره ونواهيه، ففي قراءة هذه الآية وآيات الله فضلٌ عظيمٌ، وحِرْز من الشَّياطين وضلالهم، فهؤلاء لا يَقْرَبون البيت الذي يُتلَى فيه كتاب الله، قال -عزَّ وجلَّ-: ﴿لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا القرآن عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ﴾ [الحشر: 21].
فالحاصل -جوابًا عن سؤال الأخت- أنه يجوز وضع آية الكرسيِّ أو أيٍّ من آيات الله في المنزل في مكان طاهر، أو تكون معلَّقةً على جدارٍ ونحو ذلك، والمهم -كما ذُكِر- الاعتقاد بأن في قراءة كلام الله ومنه آية الكرسيِّ فضلٌ عظيمٌ، وحِرْزٌ من الشَّياطين.
وأما اعتقاد أن تعليقها في البَيْت يَدفَع البلايا فهذا الاعتقاد غير صحيح. والله -تعالى- أعلم.
([1]) أخرجه النسائي في السنن الكبرى، كتاب: عمل اليوم والليلة، باب: ثواب من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة، برقم: (9848)، (9/44)، والطبراني في الكبير، برقم: (7532)، (8/114)، وابن السني في عمل اليوم والليلة، باب: ما يقول في دبر صلاة الصبح، برقم: (124)، ص: (110)، واللفظ للطبراني، والحديث صححه الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم: (972)، (2/661).
([2]) أخرجه البخاري، كتاب: الوكالة، باب: إذا وكل رجلا فترك الوكيل شيئا فأجازه الموكل، برقم (2311)، (3/101).