الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على نبيِّنا محمَّدٍ، وعَلَى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فظاهر سؤال الأخت: أنَّها وزوجها لم يُنْجِبَا، وأنَّ شخصًا أعطاهما قارورة فيها ماء، وطَلَب أخذها إلى قبرِ مَيتٍ ورَشِّ الماء عليه، وأنَّ هذا سوف يزيل ما فيهما من السِّحر؛ فالظاهر أنَّ هذا وأمثاله من المشَعْوِذِيْن يَتَكَسَّبُون بهذه الشَّعْوَذة، ويغرُّون الناس بهذا الضَّلال فالواجب عدم الذَّهاب إليهم، وعدم تصديقهم فيما يقولون، والأصل في هذا قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((مَن أَتَى عرَّافًا أو كاهِنًا فصدَّقَه بما يقول، فقَدْ كَفَرَ بما أُنْزِل على محمَّدٍ))([1]).
وفي حال الأخت والأحوال المماثلة التي يَبْحَث أصحابُها عن علاجٍ لأمراضهم يَنْبَغِي الذَّهاب إمَّا إلى الأطبَّاء المعروفين بعِلْمِهم لتشخيص هذه الأمراض ووَصْفِ العلاج لها، وإذا أرادوا البحث عن علاجٍ روحيٍّ لها فيَذْهَبُون إلى الرُّقاة المعروفين بإيمانهم وتقواهم، والبُعْدِ عن المشَعْوِذِيْن الذين يُضِلُّوْنَهم، فالذَّهاب إلى القبور ودُعاء أصحابها مِن دون الله يُعَدُّ مِن الشِّرك الأكبر الذي حَرَّمه الله، ووَعَدَ بعدم مغفرته في قوله -عزَّ وجلَّ-: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا﴾ [النساء: 48].
وعَلَى الأخت وزوجها أن يَلْجَآ إلى الله ودُعائِه بالأدعية المأثورة، كدُعاءِ نَبِيِّ الله زكريا -عليه السَّلام- فيما حكاه الله عنه بقوله -عزَّ ذِكْرُه-: ﴿هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾ [آل عمران: 38].
وعليهما كذلك الإكثار من الاستغفار، والشَّاهد فيه ما حكاه الله عن نبيِّه نوح -عليه السَّلام- في دعوته إلى قومه بقوله: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (١٠) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (١١) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا﴾ [نوح: 10-12]، وفي هذا تقريرٌ بأنَّ الاستغفار سَبَبٌ في إنجابِ الولد، فلَمَّا شَكَا رَجُلٌ إلى الحَسَن الجَدْبَ، وشَكَا آخر الفَقْرَ، وقال آخر: ادْعُ اللهَ أن يَرْزُقَنِي وَلَدًا، وشَكَا إليه آخر: جَفَافَ بُسْتَانِه، قال لِكُلٍّ منهم: استغفِرِ الله، فقيل للحَسَن في ذلك، قال: ما قلت من عندي شيئًا، وَتَلا هذه الآية([2]).
فالحاصل أنه يَنْبَغِي اجتناب هؤلاء المشَعْوِذِيْن وضَلالهم، وسؤال الأطبَّاء المعروفين بعلمهم عن السَّبب في تأخُّر الإنجاب، والمهم اللجوء إلى الله -تعالى- بالدُّعاء والاستغفار، فقد تَكَفَّل بإجابة دعاء عِباده في قوله -تَقَدَّسَ اسمه-: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: 186]، نَسْأَل اللهَ أن يَرْزُقَ الأخت وزوجها ما يَرْجُوَانِه من الوَلَد الصَّالح، إنَّه وَلِيُّ ذلك والقادر عليه.
([1]) أخرجه أحمد، برقم: (9536)، (15/331)، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم: (5939)، (2/1031).
([2]) انظر: تفسير الثعلبي، (27/388)، وتفسير القرطبي، (18/302).