والجواب على هذه المسألة من وجهين:
الوجه الأول: محاولة تغيير خلق الإنسان، أو تغيير عضو من أعضائه، من الصورة التي خلقه الله عليها إلى صورة أخرى وفقًا لطبيعة التجربة والغاية منها، كالتحكم في توجيه العقل أو تحويل الذكر إلى أنثى أو العكس؛ فهذا مما يَحْرُمُ فعله من قبل الفاعل والمفعول به، وقد دلت على ذلك أحكام القرآن والسنة.
فمن أحكام القرآن قول الله -تعالى- عن محاولة إبليس إيقاع الإنسان في المعصية: {وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ}([1])، والمعنى الظاهر من الآية الكريمة هو التغيير في الخلق([2])، أي: في بناء الإنسان وتكوينه، ولهذا التغيير عدة صور.
منها: الزيادة في الخلق كالوصل.
ومنها: التعديل فيه كالوشم والوشر.
ومنها: التعديل فيه بالنقص كالإخصاء، وقطع الأعضاء، ونحو ذلك مما يغير في خلق الإنسان من الصورة التي صوره الله عليها، كما في قوله -تعالى-: {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء}([3])، وقوله -تعالى-: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِير}([4])، وقوله -تعالى-:{الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَك}([5]).
ولكون أفعال التغيير من إيحاء إبليس وإغوائه حذر الله من اتباعه، فقال -تعالى-: {وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا}([6]).
كما دلت على تحريم هذه الأفعال السنة، وقد أفردت كتب الحديث أبوابًا في تحريم الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة، والنامصة والمتنمصة، والمتفلجات، والمغيرات خلق الله -تعالى-، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن أسماء بنت أبي بكر قالت: جاءت امرأة إلى النبي -ﷺ-، فقالت: يا رسول الله! إن لي ابنة عُرَيِّسًا أصابتها حصبة، فتمرق شعرها، أفأصله؟. فقال: «لعن الله الواصلة والمستوصلة»([7]).
وكما روى مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمر أنه قال: لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمصات، والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله. قال: فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها: أم يعقوب، وكانت تقرأ القرآن، فأتته، فقالت: ما حديث بلغني عنك أنك لعنت كذا وكذا؟، فقال عبد الله: وما لي لا ألعن من لعن رسول الله -ﷺ-، وهو في كتاب الله؟. فقالت المرأة: لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته، فقال: لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه، قال الله -عز وجل-: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}([8]).
وقد دلت هذه الروايات على تحريم التغيير في الخلق، سواء كان هذا التغيير بالزيادة أو النقص فيما كان المراد منه مجرد التغيير للتزوير والتدليس كوصل الشعر، أو تفريق الأسنان للدلالة على صغر السن، أو نحو ذلك، أما إذا كان المراد علاج مرض، أو إزالة أذى كنتوء في عضو يعيق الجسم عن الحركة، أو يسبب لصاحبه ألمًا نفسيًّا، فإنه يدخل في حكم التداوي والعلاج المأمور به شرعًا.
وبناء على عموم الأحكام السابقة يَحْرُمُ كل فعل يهدف إلى التحكم في تفكير الإنسان وتوجيهه على خلاف فطرته، كما يحْرُمُ كل تغيير في عضو من أعضائه، كتحويل الذكر إلى أنثى أو العكس، سواء كان عن طريق العمل الجراحي، أو عن طريق الحقن بالهرمونات ومنشطات الخلايا، أو ما في حكم ذلك من الأفعال الهادفة إلى التغيير في خلق الإنسان.
الوجه الثاني: محاولة التأثير في صفات الوراثة:
من المعلوم أن الإسلام تعرّض لمسألة التوارث في الصفات كالطباع والمرض ونحو ذلك، فقد سأل رسول الله -ﷺ- الرجل الذي حاول إنكار مولوده لسواده عما إذا كان له من إبل، وما إذا كان فيها أَوْرَقُ، وعندما أجابه بنعم سأله عن سبب ذلك، فقال الرجل: لعل عرقًا نزع به، فقال له -عليه الصلاة والسلام-: «هو ذاك، فلعل عرقًا نزع بابنك»([9])، ومفاد ذلك: إمكانية انتقال اللون عن طريق التوارث.
وفي مجال انتقال السلوك عن طريق الزواج حثّ رسول الله -ﷺ- على حسن الاختيار، فقال: «تخيروا لنطفكم»([10])، وقال: «إياكم وخضراءَ الدِّمَنِ»، وعندما سئُل -عليه الصلاة والسلام- عنها قال: «المرأة الحسناء في منبت السوء»([11]).
ووصية الرسول -ﷺ- في اختيار الزوجة هي لتجنب انتقال الأمراض وغيرها عن طريق الوراثة، فإذا توصل الطب إلى علاج هذه الأمراض-سواء كان الجنين في بطن أمه أو خارجه-فذاك من باب التداوي والعلاج المأمور به شرعًا؛ لقوله -ﷺ-: «تداووا ولا تداووا بحرام»([12]).
وخلاصة المسألة: أن كل فعل يهدف إلى تغيير خلق الله بالزيادة أو النقص يعتبر مُحرّمًا، ويستثنى من ذلك ما كان لضرورة معتبرة شرعًا، أو ما كان القصد منه التداوي كعلاج أمراض الوراثة ونحوها. والله أعلم.
([1]) سورة النساء من الآية 119.
([2]) القول الآخر لتفسير الآية هو أن المقصود بتغيير خلق الله التغيير في الدين، وهذا يشمل فعل كل ما نهى الله عنه من خصاء ووشم ووشر، وما في حكم ذلك من المعاصي التي يزينها الشيطان للإنسان. انظر في تفسير الآية: تفسير الفخر الرازي، ج6 ص49-50، وجامع البيان عن تأويل القرآن للطبري، ج4 ص284-286.
([3]) سورة آل عمران من الآية 6.
([4]) سورة التغابن من الآية 3.
([6]) سورة النساء من الآية 119.
([7]) متفق عليه، أخرجه البخاري في كتاب اللباس، باب وصل الشعر، برقم (5933)، فتح الباري، ج10 ص386، وأخرجه مسلم في كتاب اللباس والزينة، باب تحريم فعل الواصلة والمستوصلة، برقم (115)، صحيح مسلم مع شرحه إكمال إكمال المعلم للأبي، ج7 ص274.
([8]) أخرجه مسلم في كتاب اللباس والزينة، باب تحريم فعل الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة والنامصة والمتنمصة، والمتفلجات، والمغيرات خلق الله، برقم (120)، صحيح مسلم مع شرحه إكمال إكمال المعلم للأبي، ج7 ص279-281، والآية 7 من سورة الحشر.
([9]) أخرجه البخاري (٥٣٠٥)، ومسلم (١٥٠٠).
([10]) أخرجه ابن ماجه في كتاب النكاح، باب الأكفاء، برقم (1968)، سنن ابن ماجه، ج1 ص633، قال في الزوائد: “في إسناده الحارث بن عمران المديني، قال فيه أبو حاتم: ليس بالقوي، والحديث الذي رواه لا أصل له (يعني هذا الحديث) عن الثقات، وقال الدار قطني: متروك”.
قال الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب ص147: “الحارث بن عمران الجعفري المدني، ضعيف، رماه ابن حبان بالوضع، من التاسعة).
([11]) رواه البرهان فوري في كنز العمال، برقم (45620)، ج16 ص496، وقال فيه الواقدي: “قال الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب ص498: محمد بن عمر بن واقد الأسلمي، الواقدي، المدني القاضي، نزيل بغداد، متروك مع سعة علمه، من التاسعة).
([12]) أخرجه أبو داود في كتاب الطب، باب في الأدوية المكروهة، برقم (3874)، سنن أبي داود، ج4 ص7، صححه السيوطي في الجامع الصغير، (١٦٩٠).