الأخت (سيرين) من الجزائر تقول: إنها لما كانت تتوضأ غلبها قليل من الماء إلى الجوف في أثناء المضمضة، فكيف تعمل؟ هل عليها قضاء ذاك اليوم؟

حكم وصول قليل من الماء إلى جوف الصائم أثناء الوضوء

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فيحدث في بعض الأحوال التي يتمضمض فيها الصائم أو يستنشق في وضوئه أن ينزل الماء إلى حلقه، والغالب أن هذا الماء يكون قليلًا، فيتساءل الصائم حينئذ عن صحة صومه -كما في سؤال الأخت-. والفقهاء في اجتهادهم رحمهم الله- في هذه المسألة قد يختلفون، فمنهم من يرى صحة صومه، ومنهم من يرى غير ذلك؛ دفعًا للشبهة.

وقد ورد في المذهب الحنفي: أن من اغتسل فدخل الماء حلقه فسد صومه([1]).

وفي مذهب الإمام مالك: إذا سبق الماء في المضمضة إلى باطن الصائم أفطر وإن لم يبالغ([2]).

وفي مذهب الإمام الشافعي: إذا تمضمض الصائم فسبق الماء إلى جوفه، أو استنشق إلى دماغه، فالمذهب أنه إن بالغ فيهما أفطر وإلا فلا، وقيل: إنه يفطر مطلقًا، وقيل عكس ذلك([3]).

وفي مذهب الإمام أحمد: إذا تمضمض الصائم أو استنشق فدخل الماء إلى حلقه لم يفسد صومه، وإذا دخل حلقه غبار من غير قصد كغبار الطريق ونخل الدقيق، أو يرش عليه الماء فيدخل مسامعه أو حلقه، أو يلقى في ماء فيصل إلى جوفه، أو يدخل حلقه بغير اختياره، أو يداوي جائفته([4]) أو مأمومته([5]) بغير اختياره، وما أشبه ذلك لا يفسد صومه؛ لأنه لا يمكن التحرز منه، أشبه ما لو دخل حلقه شيء وهو نائم، وكذلك الاحتلام؛ لأنه ليس من اختياره، وكذلك إذا ذرعه القيء؛ لأنه كذلك بغير اختياره([6]).

قلت: ولعل هذا هو الصواب إن شاء الله، ولكنه مشروط بعدم مبالغة الصائم في المضمضة أو الاستنشاق في حال وضوئه؛ لقول رسول الله ﷺ (وبالغ في الاستنشاق، إلا أن تكون صائمًا)([7])، فإذا دخل قليل من الماء إلى جوف الصائم وهو غير مبالغ في مضمضته أو استنشاقه، ورغم تحرزه فذلك من المعفو عنه؛ لأن الصائم لم يرده، فأشبه ما ينزل منه بعد احتلامه، وما يتعرض له من قيء أو دم ونحوه. أما إذا بالغ في مضمضته أو استنشاقه ولم يتحرز فيفسد صومه؛ لأنه مع المبالغة لم يستطع التحكم في مخارج الماء، ناهيك بأنه منهي عن هذه المبالغة حال صيامه.

وخلاصة المسألة: أن من كان يتوضأ فاستنشق فدخل قليل من الماء جوفه لم يفسد صومه، ولكن هذا مشروط بتحرزه وعدم مبالغته في مضمضته أو استنشاقه لقول رسول الله ﷺ: (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا).

والله -تعالى- أعلم

([1]) الفتاوى الهندية للشيخ نظام وجماعة من علماء الهند ج1 ص220-223.

([2]) عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة لابن شاس ج1 ص359 وأسهل المدارك شرح إرشاد السالك في فقه إمام الأئمة مالك ج1 ص418.

([3]) روضة الطالبين وعمدة المفتين للإمام النووي ج2 ص360 والمهذب في فقه الإمام الشافعي للشيرازي ج1 ص181-182.

([4]) الجائفة: هي الجراحة التي وصلت الجوف. لسان العرب والمصباح المنير مادة (جوف) والمعنى الاصطلاحي لا يخرج عن اللغوي.

([5]) المأمومة: هي الشجة التي تبلغ أم الرأس، وهي الجلدة التي تجمع الدماغ، ويقال لها: آمة أيضًا. المصباح المنير ص23 والمعنى الاصطلاحي لا يخرج عن اللغوي.

([6]) المغني مع الشرح الكبير لابن قدامة ج3 ص42043.؟؟؟

([7]) أخرجه أبو داود في كتاب الصوم باب الصائم يصب عليه الماء من العطش ويبالغ في الاستنشاق برقم (2366) ج2 ص297، صححه الألباني في حقيقة الصيام، (١٢).