صلاة الجمعة فرض عين، والأصل في فرضيتها كتاب الله، وسنة رسوله محمد ﷺ، وإجماع الأمة.
أما في كتاب الله: فقوله -تعالى-: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُون} [الجمعة: 9]، وهذا نداء للمؤمنين بمنزلة الأمر، والسعي كذلك أمر بأداء صلاة الجمعة يلزم منه الوجوب والتكليف، كما يلزم من عدمه التحريم.
فأما السنة: فقول رسول الله ﷺ: «لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين»([1])، وقوله -عليه الصلاة والسلام-: «لقد هممت أن آمر رجلًا يصلي بالناس، ثم أحرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم»([2]) وهذا تخويف يدل على عظم صلاة الجمعة، وما يترتب على تعمد تركها.
وأما الإجماع: فقد أجمعت الأمة في سلفها وخلفها على وجوب صلاة الجمعة وجوب عين، لا ينفك عن المسلم إلا بأدائها مع المسلمين، إلا من كان له عذر مشروع، ومن الأعذار أنها لا تجب إلا على المسلم البالغ العاقل المكلف، فلا تجب على الصغير ولا على المجنون ولا على المرأة ولا على المسافر ولا على المريض الذي لا يستطيع حضورها، ولا تجب على الجماعة الرُّحل ما لم يستقروا في مكان تقام فيه، ولا تجب كذلك في حال الأخطار كالحروب القائمة أو الحرائق الخطرة أو الفيضانات، أو في حال شدة الخوف، ونحو ذلك مما يعد في حقيقته وضعًا يتعذر فيه على المكلف حضورها.
هذا في العموم، أما سؤال الأخت عن الحارس، فهذا يحرس الأنفس أو الأموال، فيعد كذلك من أهل الأعذار؛ لأنه مؤتمن على عمل مشروع يجب عليه حراسته من الأضرار؛ فحراسة الأنفس من التعدي عليها أمر مشروع، كالشُّرطِ الذين يقفون على أبواب المساجد يحرسونها من التعدي عليها. وحراسة الأموال ومنع السراق من التعدي عليها أمر مشروع كذلك، ومثله مختلف العمال والموظفين الذين تقتضي طبيعة أعمالهم الاستمرار في العمل في أوقات لا يتمكنون فيها من حضور صلاة الجمعة أو صلاة الجماعة.
ومشروعية عذرهم مترتبة من وجهين:
أولهما: أنهم يرتبطون بعقود يجب عليهم الوفاء بها؛ لأن الله أمرهم بذلك في قوله -عز ذكره-: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] وقوله -عز وجل-: {وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولا} [الاسراء: 34].
وثاني الوجهين: أن هؤلاء يعملون من أجل توفير رزق أنفسهم وأولادهم، وانقطاعهم عن أعمالهم يحرمهم من هذا الرزق، وهم مأمورون بالعمل من أجله.
وقد امتن الله على عباده فلم يكلفهم ما لا يستطيعون، فقال -جل ثناؤه-: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة: 286].وقال -تقدست أسماؤه-: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78].وقال -جل وعلا-: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]. لهذا فلا جناح على هؤلاء -إن شاء الله- في تركهم صلاة الجمعة؛ فإن كانوا جماعة ويستطيعون أن يصلوا داخل أماكنهم مع الحفاظ على حراستهم، فيقوم أحدهم بالخطابة والصلاة فهذا حسن، فإن لم يتيسر ذلك فيصلون الجمعة ظهرًا. أما إن كان المكلف فردًا كالحارس الواحد فيصليها ظهرًا بمفرده.
وخلاصة المسألة: أن صلاة الجمعة فرض عين على المسلم يلزمه أداؤها ما لم يكن له عذر مشروع، كالصغير والمسافر والمريض والمرأة وفاقد العقل ونحوهم. ويعد الحارس أحد أهل الأعذار؛ لأن ما يقوم به من عمل لحراسة الأنفس أو الأموال يعد أمرًا مشروعًا من وجهين: أولهما- أنه يرتبط بعقد أو بأمر يلتزم فيه بالحراسة، والوفاء بهذا العقد واجب. وثانيهما- أنه يعمل من أجل توفير رزقه، وزرق من يعول، وانقطاعه عن العمل يحرمه ومن يعول من هذا الرزق. والله -سبحانه وتعالى- لم يكلف عباده ما لا يطيقون، فقد رفع عنهم التكليف إلا ما كان في وسعهم، ورَفَعَ الحرج عنهم، وجعل تقواهم فيما يستطيعون، فله الحمد والمنة والشكر على ذلك([3]).
([1]) أخرجه مسلم في كتاب الجمعة، باب التغليظ في ترك الجمعة برقم (865) صحيح مسلم بشرح النووي ج4 ص2429.
([2]) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاة الجماعة وبيان التشديد في التخلف عنها برقم (652) صحيح مسلم شرح النووي ج3 ص2033.
([3]) ينظر في أهل الأعذار في صلاة الجمعة أقوال الأئمة -رحمهم الله- في المذهب الحنفي حاشية رد المحتار لابن عابدين ج2 ص153-154، والفتاوى الهندية ج1 ص159، وبدائع الصنائع للكاساني ج1 ص258، وجامع الأحكام الفقهية للإمام القرطبي ج1 ص256، وعقد الجواهر الثمينة ج1 ص232-234، والحاوي الكبير للإمام الماوردي ج3 ص31-32-34، وروضة الطالبين للإمام النووي ج2 ص34-41، وكشاف القناع عن متن الإقناع للشيخ البهوتي ج2 ص23-25، والإنصاف لشيخ الإسلام المرداوي ج2 ص368-371.