الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد، أما بعد:
فظاهر السؤال عن الأطعمة المخلوطة بشيء من المحرمات، وما يلاقيه المسلم الذي يعيش في بلد توجد فيه هذه الأطعمة.
والجواب: أن الله أحل لنا طعام أهل الكتاب في قوله-جل في علاه-: ﴿الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۖ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ ۖ﴾ (المائدة: 5)، وقد يُفهم من ظاهر الآية الإطلاق في حل كل طعامهم، وقد يُفهم منها التقييد بما يتفق مع ما ورد في شرع الإسلام، وهذا هو الأصل. والشاهد فيه: أن الله -عز وجل- حرم الخمر بمسمياتها وأنواعها بقوله-جل في علاه-: ﴿إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (المائدة: 90)، وحرم لحم الخنزير بقوله: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ﴾ (المائدة:3)، وأوجب-تقدس اسمه-التسميةَ على الطعام بقوله: ﴿فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كُنتُم بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ﴾ (الأنعام: 118)، وقوله: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ (الأنعام: 121)، فاقتضى هذا تقييد الإباحة بما ذكر، بمعنى أن طعام أهل الكتاب غير مباح إذا كان مخلوطًا بشيء من الخمر أو لحم الخنزير، أو كان غير مسمًّى عليه، أو كان مسمًّى عليه باسم يدل على الإشراك مع الله فيه، فهذا الطعام لا يجوز، بل هو محرم على المسلم.
أي: أنه يجوز لنا طعام أهل الكتاب من الفواكه والخضروات وكل أنواع الأطعمة التي ليس فيها محرم فيما شرعه الله لنا، أما إذا اختلطت هذه الأطعمة أو أي نوع منها بما هو محرم فلا يجوز أكلها.
وفي هذا الشأن حَرَصَ المسلمون الذين يستوردون أطعمة من أهل الكتاب أن تكون سليمة من المحرمات، سواء في ذبح الحيوان أو الطيور ونحوها، وقامت شركات ومؤسسات في الغرب والشرق لهذا الغرض، فلا خوف -إن شاء الله- مما تستورده بلدان المسلمين من هذه الدول.
هذا في عموم المسألة، أما عن سؤال الأخت فالأصل أنه لا يجوز للمقيم في هذه البلدان أن يأكل من الأطعمة المخلوطة بشيء من الخمر أو لحم الخنزير، بل يجب عليه أن يتحرى عن ذلك ويبحث عن طعام ليس فيه ما حرمه الله، ما لم يكن مضطرًّا إليه بقول الله -جل في علاه- : ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ۖ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ (البقرة: 173)، والمراد بالاضطرار الخوف على النفس من الهلاك، والواقع أن من يعيش في تلك البلاد لا يكون مضطرًّا؛ وذلك لكثرة البدائل فيها.
والحاصل: أنه لا يجوز للمسلم أن يأكل طعامًا مخلوطًا بشيء مما حرمه الله كالخمر والخنزير وما لم يذكر اسم الله عليه.
والله -تعالى- أعلم.