الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد، أما بعد:
فالوفاء بالدين مما يجب على المدين؛ لأنه حق للدائن والحقوق يجب أن تعطى لأصحابها، ولكن الأمر قد لا يكون في ظاهره فيعجز المدين عن الوفاء بدينه، ويتضرر الدائن من عدم الوفاء بدينه، ولكل منهما عذره الدائن يريد حقه والمدين يعجز عن الوفاء بما عليه، والقضاء لا يجد وسيلة لإلزام المدين المعسر وقد حكم الله في هذا، وحكمه الحق بأن على الدائن إنظار المدين المعسر إلى ميسرته، فقال جل في علاه: {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ ۚ وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 280]، وفي هذا بيان منه عزوجل عن فضل الصدقة على المدين المعسر، وما فيها من الخير ومن الصدقة وضع الدين عنه كله أو بعضه، وإنظاره ففي كل ذلك الخير.
ولكي لا يظلم الدائن في حقه أمام مدين معسر، كان لابد من التعاون بين المؤمنين في التخفيف من هذه المشكلة، فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحث على إنظار المعسر، وبوضع الدين عنه، و كان الصحابة -رضوان الله عليهم- خير مثال في هذا التعاون فلما علم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن على أحد المتوفين دينا لم يصل عليه، فيما رواه سلمة بن الأكوع رضي الله عنه: ” كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، إذْ أُتِيَ بجَنَازَةٍ، فَقالوا: صَلِّ عَلَيْهَا، فَقالَ: هلْ عليه دَيْنٌ؟ قالوا: لَا، قالَ: فَهلْ تَرَكَ شيئًا؟ قالوا: لَا، فَصَلَّى عليه، ثُمَّ أُتِيَ بجَنَازَةٍ أُخْرَى، فَقالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، صَلِّ عَلَيْهَا، قالَ: هلْ عليه دَيْنٌ؟ قيلَ: نَعَمْ، قالَ: فَهلْ تَرَكَ شيئًا؟ قالوا: ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ، فَصَلَّى عَلَيْهَا، ثُمَّ أُتِيَ بالثَّالِثَةِ، فَقالوا: صَلِّ عَلَيْهَا، قالَ: هلْ تَرَكَ شيئًا؟ قالوا: لَا، قالَ: فَهلْ عليه دَيْنٌ؟ قالوا: ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ، قالَ: صَلُّوا علَى صَاحِبِكُمْ، قالَ أَبُو قَتَادَةَ صَلِّ عليه يا رَسولَ اللَّهِ وَعَلَيَّ دَيْنُهُ، فَصَلَّى عليه”([1])، وعن عبدالله بن أبي قتادة أن أبا قتادة طلب غريمًا له، فتوارى عنه ثم وجده، فقال: إني معسرٌ، فقال: آلله؟ قال: آلله، قال: فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: “من سره أن يُنجيه الله من كُرب يوم القيامة، فلينفِّس عن معسر أو يضع عنه”([2]) وعن أبي هريرة -رضي الله عنه-أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “من أنظر معسرًا أو وَضع له، أظلَّه اللهُ يومَ القيامةِ تحتَ ظلِّ عرشهِ، يومَ لا ظلَّ إلا ظلُّه”([3]).
فاقتضى ما ذكر أن على الدائن واجبا في إنظار مدينه المعسر حتى ييسر الله أمره، عملا بما أمر الله به من إنظار المعسر في حال العسر وتذكير الدائنين بأن في الصدقة على المعسر فضل وخير كثير لهم، والواجب كذلك على أصحاب القدرة من الأمة مساعدة المعسرين؛ حفظا للحقوق ورحمة بأصحاب الحاجة.
والله تعالى أعلم.
[1] أخرجه البخاري (2289).
[2] أخرجه مسلم (1563).
[3] أخرجه مسلم (3006).