إذا دخل إنسان ملك إنسان آخر بدون إذنه، فصعقه تيار كهربائي، فمات، فهل يضمنه صاحب الملك؟.

هل يضمن من مات في ملكه إنسان بالصعق الكهربائي

الجواب: لا يضمن.

والأساس في ذلك قول الله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون * فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيم} [النور: 27-28].

وقد ورد في السنة أن النبي -ﷺ- استأذن على سعد بن عبادة، فقال: (السلام عليك ورحمة الله)، فقال سعد: وعليك السلام ورحمة الله، ولم يسمع النبي -ﷺ-حتى سلم ثلاثا، ورد عليه سعد ثلاثا، ولم يسمعه، فرجع النبي -ﷺ-، فاتبعه سعد، فقال: يا رسول الله! بأبي أنت وأمي، ما سلمتَ تسليمةً إلا وهي بأذني، ولقد رددت عليك، ولم أسمعكَ، وأردتُ أن أستكثر من سلامك ومن البركة، ثم أدخَلَه البيتَ… إلخ.

فالاستئذان إذًا أدب شرعي، يلزم المسلم التقيد به في علاقته مع غيره حين يريد الدخول عليه في داره وما في حكمها، وذلك لأسباب ثلاثة:

أولها: أن الـدار مأمن له في يقظته ونومه، وفي الدخول عليه بدون الاستئذان إضرار به.

وثانيها: أنها محل محتمل للضرر؛ لما قد يكون فيها من الأخطار ما لا يعرفه إلا صاحبها، فالدخول فيها بدون إذنه يحتمل تعرض الداخل للضرر؛ لجهله بما فيها.

وثالثها: أنها محل لأسراره وستره، والدخول فيها بدون إذنه مدعاة لكشف ستره، ولهذا قال رسول الله -ﷺ-: (لو أن رجلا اطلع عليك بغير إذن، فحذفته بحصاة، ففقأت عينه، ما كان عليك من جناح)([1]).

وقد رتب الفقهاء على هذا الأصل قاعدة فقهية مفادها: انتفاء ضمان الضرر في حال الدخول إلى ملك الغير بغير إذن، وفي ذلك يقول الإمام ابن قدامة: “بأن من حفر في ملكه بئرًا، فوقع فيها إنسان أو دابة، فهلك به، وكان الرجل قد دخل بغير إذنه، فلا ضمان على الحافر؛ لأنه لا عدوان فيه”([2]).

وهـذا على خلاف ما إذا كان الحفر لقصد الضرر، وكـان الداخل بإذن المالك، ففي ذلك القصاص؛ لأن فعله هذا أشبه بما لو قدم له طعامًا مسمومًا فأكله([3]).

ويلزم لانتفاء الضمان أن يكون الملك دارا، أو مزرعة، وما في حكمهما خاصًّا للمالك، فإذا كان الملك عامًّا، ووضع فيه ما يسبب الضرر للغيـر، كما لو حفر حفرة في الطريق العام، أو وضع سلكًا كهربائيًّا فيه، وجب عليه الضمان، كما يلزم لانتفائه كون الملك محصنًا، بحيث يمتنع على الداخل الدخول فيه بدون جهد، فلو كانت الدار أو المزرعة بدون سور مثلًا، وتعذر على الداخل معرفة وضعها كأن ظن أنه يسير في مكان عام، ثم صعقه تيار كهربائي نتيجة مروره على سلك مكهرب مرمي على الأرض، فعندئذ يجب الضمان.

كمـا يلزم لانتفاء الضمان أن تكون الخصوصية في الملك قاطعة، فلو كان له شريك أو شركاء فيه، ثم دخلوا أو أحدهم الملك، وصعقهم تيار كهربائي بسبب السلك المكهرب الملقى على الأرض، وجب الضمان على الشريك العارف به، وذلك لما كان يلزمه من تبصير شريكه أو شركائه بما وضعه في الأرض؛ لما يفترض من دخولهم بدون إذنه بسبب شراكتهم في الملك.

والله أعلم.

([1]) أخرجه البخاري في كتاب الاستئذان باب “الاستئذان من أجل البصر”، وفي كتاب الديات، “باب “من أطلع في بيت قوم، ففقأ عينه، فلا دية له”، وفي اللباس، باب الامتشاط، وأخرجه مسلم في كتاب الآداب، باب تحريم النظر في بيت غيره، وأخرجه الترمذي في كتب الاستئذان، باب “من أطلع دار قوم بغير اذنهم”، برقم (۲۷۰8، ۲۷۰9) سنن الترمذي ج5 ص61.

([2]) المغني ج9 ص 571.

([3]) كشاف القناع ج6 ص7، وانظر: نهاية المحتاج على شرح المنهاج ج7 ص 353.