إذا تسرب الماء أو نحوه من منزل الجار إلى جاره فهل يحق للمتضرر منعه؟، وهل يحق له التعويض عما أتلفه الماء؟.

مسؤولية الجار عن ضرر تسرب الماء أو نحوه إلى منزل جاره

الجواب: يحق له منعه، كما يحق له التعويض عما أصابه من ضرر بسببه.

والأسـاس الشرعي في ذلك مبني على قاعدتين:

قاعدة خصوص تتعلق بحقوق الجوار: فيما تضمنه كتاب الله الكريم وسنة رسوله -ﷺ- من قواعد تأمـر باحترام حق الجار، وتنهى عن إيذائه، قال الله -تعالى- في ذلك: {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا} إلى قوله -تعالى-: {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ} [النساء:36].

وقال رسول الله -ﷺ-: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه»([1])، وقال: «خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره»([2])، وقال -ﷺ-: «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن» قيل: من يا رسول الله؟ قال: «الذي لا يأمن جاره بوائقه»([3])، وقال -أيضا-: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره»([4]).

أما القاعدة الثانية فهي قاعدة عموم: وردت فيما روي عن رسول الله -ﷺ- أنه قال: «لا ضرر، ولا ضرار»([5])، وقد بنى الفقهاء على ذلك قاعدة عامة، هي: أنه ليس للمالك أن يتصرف في ملكه بما يضر أو يؤذي جيرانه، والأمثلة على الضرر كثيرة، منها: أن ينشئ مكاناً للاستحمام([6]) في منطقة مخصصة للسكن، أو ينشئ مخبزاً بين دكاكين بيع الأقمشة أو الورق أو أي بضاعة قابلة للاشتعال.

ومن أمثلة الضرر: حفر بئر إلى جانب بئر جاره، بما يؤدي إلى تسرب الماء منها، أو وضع مصنع أو معمل تؤثر آلاته بالصوت أو الهز، أو تتسرب منه سوائل أو روائح إلى جاره، ويدخل تحت هذه الأنواع من الضرر كل ضرر مشابه وفق عرف الزمان والمكان، كمضخات الوقود، أو مغاسل السيارات ونحوها، أو المصانع أو الدكاكين المتخصصة في بيع المواد القابلة للاشتعال كالديناميت والمفرقعات الأخرى.

ويستثنى من ذلك الضرر اليسير في حالات الطبخ أو الخبز للحاجة إليها([7])، كما يستثنى منه ما أمكن تلافي ضرره، فإذا انتفت الرائحة أو الخطر من المخابز أو المطاعم أو محطات الوقود مثلًا بسبب ما يصاحبها من وقاية معتبرة، وانتفى بعد ذلك الضرر المحتمل انتفى الحق في الادعاء به.

ولا يغير في مسألة الضرر كونه قديماً أو حديثاً، فللجار الحديث حق منع الضرر السابق لوجوده([8])، ولا يغير فيه كونه من شخص عادي أو من جهة حكومية أو شركة أو نحو ذلك، وضمان الضرر لازم، ويشترط له حدوث التصرف على خلاف المعتاد([9])، فإذا زرع نوعاً من الشجر في داره، وأدى تجذره إلى الإخلال بجدار جاره، فإن التصرف يكون على خلاف المعتاد؛ إذ المعتاد أن يزرع نوعاً آخر من الشجر تنتفي منه هذه الصفة، وإذا زاد حجم نوافذ داره عن حجم دار جيرانه الآخرين، وعلى خلاف المعتاد في المكان، فإن الضرر محتمل في هذه الحالة.

وإذا استعمل في مزرعته وسيلة للري يعرف عنها امتصاص مياه آبار جيرانه فإن تصرفه يكون على خلاف المعتاد، ولو كان بينه وبينهم مسافة معقولة.

وفي الأشياء المحرمة يحق للجار منعها مطلقاً، ولا يترتب عليه إثبات ضررها؛ لكونها ثابتة الضرر أصلا، فصناعة الخمر محرمة ولو لم ينبعث منها رائحة، أو يتأذَّ مـنـهـا الجار، وكل محل مخصص لممارسة أمر محرم يحق للجار منعه، ولو لم يظهر منه أذًى واضح؛ لأنه في ذاته أذًى ثابت الضرر كما ذكر.

والله -تعالى- أعلم.

 

([1]) أخرجه البخاري في كتاب الأدب، باب الوصاة بالجار، ج۷ ص۷۸.

([2]) أخرجه الإمام أحمد في المسند، ج10 ص٧٤، صححه الألباني في صحيح الترمذي، (١٩٤٤).

([3]) أخرجه البخاري في كتاب الأدب، باب إثم من لا يأمن جاره بوائقه، ج۷ ص۷۸.

([4]) أخرجه البخاري في كتاب الأدب، باب من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره ج۷ ص۲۸-۲۹.

([5]) موطأ الإمام مالك من ٥٢٩، ومسند أحمد ج4 ص۳۱۰، صححه الألباني في السلسلة الصحيحة، (٢٥٠)..

([6]) انظر: المغني والشرح الكبير ج ٥ ص 51-٥٢، وكشاف القناع، ج۳ ص ٤٠٨، وشرح منتهى الإرادات، ج۲ ص۲۷۰، وحاشية رد المحتار، ج5 ص۲۳۷.

([7]) شرح منتهى الإرادات، ج۲ ص۲۷۰.

([8]) حاشية رد المحتار، ج5 ص۲۳۷، وانظر: تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الحكام، ج۲ ص۸5-۸۷.

([9]) نهاية المحتاج ج5 ص ۳۳۷، وكتاب الوجيز ج1 ص ٢٤٤.