سؤال من الأخت ر.ة من الجزائر، تقول: ما حكم نوم الزوج في غرفة الجلوس، وترك زوجته تنام في الغرفة وحدها، مع العلم أنه لا يوجد أي خلاف بينهما، وهو دائمًا يتحجج أنه يريد مشاهدة الأفلام والبرامج؟

حكم نوم الزوج لوحده وترك النوم مع زوجته

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فظاهر سؤال الأخت أن زوجا لا ينام معها في فراشهما، وإنما ينام وحده في مكان آخر؛ بحجة أنه يشاهد الأفلام والبرامج، فما الحكم الشرعي؟

والجواب: أن طباع البشر تختلف في نومهم وراحتهم، فمنهم من يحب أن ينام وحده، بعيدًا عن الضوء والصوت والحركة، ومنهم من هو على خلاف ذلك، فلا ينام إلا وحوله ضوء وصوت وحركة، والسبب في ذلك الاعتياد على هذا في الصغر أو التربية، وقد ينشأ عن ذلك إشكال لأحد الزوجين؛ فالزوج يحب أن ينام وحده فتغضب الزوجة وتظن أنه لا يحبها، وقد تبتعد الزوجة عن الزوج فتحب أن تنام وحدها فيغضب من فعلها، وقد يكون لأي منهما عذر فيما يفعل، ومن هذه الأسباب تعوّد أي منهما على الوحدة في فراشه -كما ذكر- وقد يكون السبب كثرة الحركة من أحدهما؛ مما يجعل صاحبه يستيقظ ولا يستطيع أن ينام بعد يقظته، وقد يكون السبب مرض أحدهما كالزفير والشهيق، ونحو ذلك.

وقد أشار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى هذه المسألة في حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-: “فِرَاشٌ لِلرَّجُلِ، وَفِرَاشٌ لاِمْرَأَتِهِ”([1]).

كما تعرض فقهاؤنا -رحمهم الله- إلى هذه المسألة، فعند ابن الحاج من المالكية أنه يستدل من هذا الحديث أنه ليس على الرجل أن ينام مع امرأته في فراش واحد، وإنما حقها عليه في الوطء خاصة([2]).

وجاء في مواهب الجليل، في شرح مختصر خليل في مذهب الإمام مالك:” قَالَ الْبُرْزُلِيِّ قُلْتُ: تَقَدَّمَ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ الزَّوْجُ عَلَى الْمَبِيتِ مَعَهَا فِي فِرَاشٍ وَاحِدٍ، مِنْ الْحَدِيثِ، غَيْرَ أَنَّهُ يَنْدُبُ إلَيْهِ؛ لِمَا يُدْخِلُ عَلَيْهَا مِنْ الْمَسَرَّةِ”([3]).

قال النووي:” والصواب في النوم مع الزوجة، أنه إذا لم يكن لواحد منهما عذر في الانفراد، فاجتماعهما في فراش واحد أفضل، وهو ظاهر فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي واظب عليه، مع مواظبته -صلى الله عليه وسلم- على قيام الليل، فينام معها، فإذا أراد القيام لوظيفته قام وتركها، فيجمع بين وظيفته، وقضاء حقها المندوب، وعشرتها بالمعروف، لاسيما إن عرف من حالها حرصها على هذا”([4]).

وفي حاشية القليوبي وعميرة من مذهب الإمام الشافعي” وكذا يستحب أن ينام مع كل واحدة في فراش واحد، حيث لا عذر “([5]).

هذا في عموم المسألة، أما عن سؤال الأخت فإن الله -عز وجل- قد أمر الأزواج بمعاشرة أزواجهم بالمعروف، فقال -عز ذكره-: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) (النساء:19)، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ” لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إنْ كَرِهَ منها خُلُقًا رَضِيَ منها آخَرَ، أَوْ قالَ: غَيْرَهُ “([6]).

قلت: ولا شك في أن من الألفة والمحبة بين الزوجين أن يناما في فراش واحد، فبعد أحدهما عن الآخر يعد جفاء قد ينشأ عنه كره، وعاقبة الكره العداوة والبغضاء، والزوجة حين تريد أن يكون زوجها معها في فراش واحد دليل على محبتها له، فينبغي له حينئذ أن يقدّر هذه المحبة، ما لم يكن هناك عذر موجب، ولا أعتقد أن ترك الزوج زوجته تنام وحدها؛ بسبب مشاهدته للأفلام والبرامج عذر له، ففي هذه المشاهدة ما يثير غيرة الزوجة.

فالحاصل أن الواجب على الزوج أن ينام مع زوجته في فراشهما، ما لم يكن هناك عذر مشروع.

والله -تعالى- أعلم.

 

[1] أخرجه مسلم (2084).

[2] التاج والإكليل للمواق (4/ص9).

[3] مواهب الجليل في شرح مختصر الشيخ خليل 12/26.

[4] ينظر: شرح النووي على صحيح مسلم (14/ 59-60).

[5] قليوبي وعميرة ج3 ص 451.

[6] صحيح مسلم (1469).